السلام عليكم و رحمة الله و بركاته:
إخواني / أخواتي الطيبين.
فجعتني الأقدارُ –على ما فيها من نعمٍ و نِقَمٍ- برحيل والدي الحبيب الذي يطمع الانَ في رحمة ربه الكريم.
فجعتني برحيله و لم تُمتعني حتى بالنظر إليه قبل مغيبه. فلم يتريثوا به حتى أرجع لأودعه و أُقَبِّلَهُ و أَشُمَّهُ ، لأن حسن إكرام الميت هو التعجيلُ بمواراته.
فكان الحُزْنُ أَعْمَقُ وَ الْهَمُ أَحْكَمُ.
و إن الذي يعزيني في فقدانه على هذا النحو ما ذُكِرَ عن أهل الحديث أن أحدهم توفي فرؤي في المنام و كأنه بين حضرة الملك العلام يحاسبه و يناقشه ذنوبه و عيوبه ، فلما اشتدت مناقشته له
قال : "يَاَ رَبِّ مَاَ هَكَذَاَ بَلَغَنِيِ عَنْكَ" !.
قال : "وَ مَاَ بَلَغَكَ عَنِّيِ ؟!".
قال : "حدثني فلانٌ عن فلانٍ عن فلانٍ عن فلانٍ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و اله و سلم أنك قلتَ : "إِنَّ رَحْمَتِيِ سَبَقَتْ غَضَبِيِ " !!". [الحديث في البخاري من غير القصة]
قال : فضحك الرحمنُ الرحيمُ و قال : "يا عبدي قد غفرت لك".
فالموتُ هو الحق اليقين ، و الحياة هي الزيف بكل ما فيها من عذاب أو نعيم.
و قبل ذلك نعى الله نبيه لنفسه بقوله : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُوُنَ).
و لكن (الْعَيْنَ تَدْمَعُ وَ الْقَلْبَ يَحْزَنُ وَ لَاَ نَقُوُلُ إِلَّاَ مَاَ يُرْضِيِ رَبَّنَا).
ألمٌ لا أقدر على وصفه ، و هم لا أدري كيف أكتبه.
أيامٌ و ليالٍ و أنا بين وحدتي و همومي حتى ضقت بنفسي ذرعاً ، فحرصتُ على الإبتعاد عن الجدران الأربعة ، لأسحب فكري من ساحة الفاجعة إلى ساحة التشاكي ، فأكتبُ و أكتبُ و أكتبُ حتى أمازج حروفي بمودعي فنتناغم سويا تحت وطأة الكرب.
فحاولت أن أُعَزِّيَ نفسي بمرثيةٍ لمقامه الكريم و أحببت أن يشاركني إخواني أحزاني ، و لكن ربما أن عوارض الحزن لم تسمح لذائقتي أن تكتب كما يليق به ، فتقبلوها على عُجَرها و بجرها.
لستُ أدري كيف جريتُ فيها على عادة العرب الأقحاح من الاستهلال بالنسيب و التشبيب و الوقوف على الأطلال ، ثم الانتقال إلى الغرض الرئيس.
قالوا لان التشبيب و النسيب يدٌ سحريةٌ لشَدِّ السامع ليتهيأ لسماع الغرض بقلبه و قَاَلَبِهِ.
فكانت عادتي كذلك في أغلب إنتاجي اللساني من الشعر الفصيح سِيَّمَا في الأغراض المهمة.
صِدْقَاً لا أدري كيفَ جريتُ فيها على هذه العادة الشعرية ، و لم أنتبه –كما يعلم ربي- إلا حين تنقيحها لغرض النشر ، لأحظى بدعوة كريم النفس سمح الخلق ، فرُبَّ دعوةٍ كشفت غُمَّة.
وفقد اشتملت بدايات القصيدة على كمدٍ و عمقٍ في الحزن ، و لوعة في الفراق ، حتى في ثنايا النسب.
فأتمنى على كل ذي قلمٍ نثريٍ صِرْفٍ أن يقول في نفسه للقصيدة و قائلها : (وَ إِذَاَ مَرُّوُا بِاللَّغْوِ مَرُّوُا كِرَاَمَاَ).
فإن الشعر له من الخيال و التأنُّقَ البياني ما يرفعه عن مرتبة النثر.
و لستُ أنسى أن أخص بالشكر و العِرفان كريم الخُلُقِ عَبِقَ الوُجدان الأخَ الفاضلَ : (مارد الجنوب).
إذ طلب لي منكم الدعاء في أخبار الأعضاء إذ كنت غير مستعد لمثل هذا ، فمرَّ و دعا من دعا .
الله يرحمه ويغفر له ولموتى المسلمين ..
ويلحقنا بهم بخيرٍ ولا يفتنا بعدهم ..
ورزقنا الله واياك الصبر واليقين على فراق احبتنا ..
ما يعزينا فيهم هي قبورنا التي بجوارهم تتقدم آجالنا ..
البقاء لله اخ شكوى وانا لله وانا اليه راجعون ..
اللهم وسع له فى قبره واجعله روضة من رياض الجنه ولا تجعله حفرة من حفر النار ..
اللهم ادخله الجنة برحمتك
آمييييين ..