لماذا تخسر المشاريع الصغيرة في السعودية
هذا المقال كتبته بنفسي، ونُشرَ في موقع سعوديون في أمريكا، ويسعدني أن أنشره في هذا المنتدى العزيز، وأذكر ذلك لكي لايُظن أن كاتبه شخص آخر.
تكتسب المشاريع الصغيرة أهميتها من كونها تخدم الطبقة الوسطى وتساعد على ثباتها وتوازنها، ذلك أن المشاريع الصغيرة عادة ما تنشأ على يد تلك الطبقة، واستمرارية وضع هذه الطبقة الآمن في أي مجتمع يضمن تماسكه، وحين تضعف أو تخسر تلك المشاريع لتصبح ظاهرة منتشرة فإنها ستكون عاملا من عوامل انحسار هذه الشريحة المهمة. إن بعض الشعوب تواجه مشاكل مختلفة ومتباينة في خسارة كثير من مشاريعها الصغيرة ولكل بلد أسبابه ومسبباته التي قد تختلف عن غيره، فعلى سبيل المثال تخسر كثير من المشاريع الصغيرة في أمريكا بسبب وجود الشركات الكبرى التي تسيطر على السوق وتقدم أسعاراً متدنية للغاية وبنسبة ربحية ضئيلة مما يجعل صاحب المشروع الصغير تحت وطأة الخسارة، ولعل سيطرة وول مارت على السوق الاستهلاكية نموذج حي لذلك في الولايات المتحدة.
وحين ندلف إلى مجتمعنا السعودي ونحاول أن نتلمس أسباب خسارة بعض المشاريع في المملكة، نجد بأن العامل الاجتماعي والثقافي يشكل حجر الزاوية في هذا الموضوع، فالمجتمع السعودي ذو طابع اجتماعي يفوق كثيراً من الشعوب الأخرى، وقد يوصف بأنه اجتماعي أكثر مما ينبغي، فالمسؤولية العائلية تأخذ عادة شكلا أكبر، والعلاقات الاجتماعية المتمثلة في الارتباطات مع الأقارب والأصدقاء تأخذ وقتا أطول في يوم الفرد السعودي سواء من خلال الاستراحات أو الاجتماعات أو اللقاءات التي يغلب عليها طابع الترفيه والتسلية، والانهماك في العلاقات الاجتماعية بهذا الشكل قد يؤثر على المشروع التجاري الذي يراد له النجاح.
إن المتابع لكثير من المشاريع والتي عادة ما تبدأ بحماسة كبيرة بعيدا عن التخطيط بعيد المدى، يفاجأ بأنها غير قادرة على الوقوف على قدميها بعد سنة أو سنوات قليلة، ومع إيماني بأن هناك معوقات أخرى إلا أنها لاتوازي في قوتها وأثرها المعوق الاجتماعي الذي يجعل صاحب المشروع غير قادر على الاستمرار، لأنه لايريد فك روابطه الاجتماعية ليقوم على مشروعه، أو بشكل أدق لايريد التفرغ التام لهذا العمل.
إن المجتمع السعودي يملك قوة شرائية واستهلاكية هائلة، مما يفتح أبواب النجاحات لأي قطاع تجاري يريد أن يستمر وينطلق، فالمؤهل الأساسي لاستمرارية المشاريع المتمثل بالقوة الشرائية موجود بقوة، ولذلك يمكن القول إن نسبة النجاح لمن يبحث عنه عالية جدا شرط أن يغير رب العمل نمط ثقافته الاجتماعية ويعطي الكثير من وقته لمشروعه بدلا من وضع ذلك على كاهل العامل الذي لن يكون أحرص على النجاح من مالكه، ولإثبات سهولة نجاح المشاريع التجارية الصغيرة في السعودية يمكننا أن ننظر إلى المشاريع المملوكة للأجانب تحت غطاء الإنسان السعودي الذي لا يحمل من المشروع سوى اسمه المدوّن في رخصة البلدية أو رخصة مكتب العمل، هذه المشاريع لازالت تملك الاستمرارية والنجاح وتحقق مكاسب ومداخيل هائلة، وهؤلاء المالكون لا يملكون مهارات احترافية حققت لهم ذلك النجاح الكبير إنما الذي أسهم في ذلك النجاح هو القوة الشرائية الموجودة و تفرغهم لعملهم وبعدهم عن قضاء الوقت الطويل في العلاقات الاجتماعية كما هو الحال مع كثير من أبناء الشعب السعودي. على أنه لا يمكن هنا التعميم فهناك نماذج سعودية مازالت ناجحة في مشاريعها لأنهاأعطت الكثير من الوقت والجهد وتخلت عن القيود والثقافة الاجتماعية السائدة، ولكنها تظلّ فئة محدودة ومعدودة من أبناء مجتمعنا السعودي، ذلك أن الواقع يكشف عن أن خسارة أكثر أرباب المشاريع الصغيرة تكمن في كونهم يرزحون تحت أثر الثقافة الاجتماعية المتمثلة في اللهو وقضاء جزء كبير من الوقت في علاقاتهم الاجتماعية الخاصة، وهذا لايمكن أن يستقيم مع من يريد لمشروعه النجاح والاستمرارية.
__________________
ياصبحِ لاتِقبل !!
عط الليل من وقتك..