مشاعر أب حرى في الذكرى السابعة لطلاق ابنته
مشاعر أب حرى
في الذكرى السابعة لطلاق ابنته
لازلت أذكر الأيام الأولى لمولد ابنتي البكر (سارة)، كانت جميلة جدا ببشرتها البيضاء وعيونها الواسعة السوداء وشعرها الأسود الناعم، كانت نظراتها توحي بالبراءة والعذوبة، اسميتها ( سارة) على اسم جدتي لأمي فقد كانت أمي تحب اسم والدتها، وبرا بأمي اسميتها بهذا الاسم.
كانت ابنتي (سارة) ذكية محبة للاستطلاع، ومنذ صغرها كانت شغوفة بالتعلم ، كنت أحضر لها الألعاب التعليمية، والقصص المفيدة المسلية، كانت هادئة تحب الرسم وتهوى مطالعة كتاب العلوم الذي أحضرته لها من المدرسة.
الله .. ما أروع ذلك اليوم الذي دخلت فيه ابنتي للمدرسة حاملة حقيبتها الطفولية الجميلة، وابتسامتها وهي في الصف الأول الابتدائي، كنت أحلم باليوم الذي أراها فيه عروسا جميلة بطرحتها البيضاء وفستانها الزاهي الجميل.
مضت ابنتي ( سارة) في دراستها بتفوق ونجاح باهر، وسنة بعد سنة كانت محط الأنظار بأدبها وتفوقها، كانت تحصد الجوائز وشهادات التقدير حتى تخرجت من المرحلة الثانوية.
التحقت ابنتي بالجامعة ودخلت إحدى الأقسام العلمية المميزة فقد كان مجموع درجاتها عاليا وباستطاعتها أن تختار أي قسم تحبه، كنت فخورا بابنتي وأن أراها تصعد درجات العلم بتفوق واقتدار.
وعندما كانت ابنتي في السنة الجامعية الثالثة تقدم لها ( فهد ) لم نكن نعرف عنه الكثير سوى أنه من عائلة كريمة ، وقد كان جده متزوجا من أختي الكبرى منذ زمن ولم ينجب منها أولادا، حاولت السؤال عنه من أكثر من مصدر، ولم يكن السؤال عنه بالأمر السهل فقد كان من مدينة أخرى.
اكتفيت بالسؤال عنه من بعض الأشخاص واستخرت الله عز وجل، وطرحت الأمر على ابنتي فأجابتني بالموافقة، توكلت على الله وزفت ابنتي الحبيبة الطيبة الكريمة الخلوقة الى زوجها في ليلة لا تنسى ، حيث شعرت وأمها بفراغ كبير، كيف لا؟ وهي ابنتي الكبرى.. هي ابنتي الغالية القريبة الى نفسي، كانت تشاركني أفكاري، وكانت آرائها السديدة عونا لي في مواقف كثيرة .
بعد زواجها أكملت ابنتي دراستها الجامعية بتفوق ، وأصبحت أماً لطفلة جميلة في نهاية السنة الأولى لزواجها، كانت فرحتي وأمها لا توصف بحفيدتنا الجديدة.
مضت الحياة بابنتي وهي بعيد عني فقد كان زوجها يعمل في مدينة أخرى، وكانت تزورنا بين الفترة والأخرى، كنت ألمح في عينيها حزنا في كل مرة تزورنا، أدركت بقلب الأب المشفق الحنون أن هناك ثمة شيء في حياة ابنتي ولكن كانت المسكينة تكتم آلامها وحزنها داخل صدرها.
لم أشأ أن أتدخل في حياتها، وإن كنت وأمها ندعو لها بظهر الغيب أن يفرج عنها، ويصلح شأنها ، ويجعل زوجها قرة عين لها ويجعلها قرة عين له، إلى أن جاءت مرة لزيارتنا وكانت مثقلة بالحزن وكأن أطنانا من الهم ألقيت على عاتقها.
قالت: أبي .. ثم أخذت تجهش بالبكاء.. علمت حينها بأن زوجها قد استسلم لأصدقاء السوء وأحال حياته وحياة زوجه وأطفالهما الى جحيم، أخذت أصبرها وأوصيها بزوجها وبيتها خيرا، كنت أتمنى في داخلي أن تنتهي هذه النزوة لدى زوجها ، ويعود لرشده ، ويرجع لعقله ، لتعود حياتهما هانئة جميلة.
ولكن كانت الأمور تزداد سوءا ، وكانت كلما مر علينا بضعة أشهر جاءت بأطفالها الينا باكية حزينة مكسورة الفؤاد، كنت أحاول الجلوس مع زوجها ونصحه وتوجيهه، لعل الله سبحانه أن يهديه، وكان يعطيني وعودا زائفة بأن يحسن معاملة ابنتي ، لكن وعوده كلها تضيع كالسراب حالما تعود معه.
إلى أن جاء ذلك اليوم.. آه .. ثم آه.. ابنتي الغالية الحبيبة تعود اليّ بوجه متورم وعلى يديها وذراعيها آثار كدمات وجروح، قالت لي بصوتها الجريح وعينيها الدامعتين:
أبي لن أعود لهذا الرجل مهما حصل..
ولم يكن باليد حيلة فقد عجزت من نصحه ، وتعبت ابنتي من ظلمه وطغيانه.
كان ذلك قبل سبع سنوات من الآن..
اليوم .. لم تعد ابنتي الحبيبة ( سارة) كما كانت، لم تعد تلك الجميلة الهادئة الرقيقة، أصبحت عدوانية متسلطة، لسانها سليط ، ونظراتها حادة موجعة، أشعر بالألم وهي ترفع صوتها ليّ وعلى والدتها، وهي تعطي الأوامر في المنزل وكأنها صاحبة المكان ونحن خدم لها.
لا.. ليست هذه ( سارة) الحبيبة ، لا أصدق!
هل الطلاق هو الذي غيرها؟
هل القسوة التي عوملت بها من قبل زوجها هي السبب في تحولها؟
أم هل كثرة الاحباطات التي مرت بها غيرت شخصيتها؟
أين ذهبت تلك التربية الرائعة؟ وأين ذهبت تلك الأخلاق الحميدة التي كانت مضرب المثل بها؟
أشعر بالألم والحزن والمرارة... الأمراض تنهك جسدي الضعيف خاصة بعد كبري في السن، والهموم تفتك بقلبي الحزين جراء ما أراه من قسوة وتسلط ابنتي.
رحماك يا رب بي وبابنتي..
التعديل الأخير تم بواسطة الواثقة بالله 1 ; 21-08-2014 الساعة 03:54 PM