|
(4)
تحدَّثنا في لقاءاتٍ مضت عن بعضِ أسس الكتابةِ الأدبيّة
وقبل أن نبدأ لقاء اليومِ أنبهكَ إلى أنَّ ما أقدّمهُ لكَ مجرّد أسس, ومفاتيح بسيطة, والجهد كُلّه عليك!
الكِتابةُ فِي معْنَاهَا العَام,
تَنْقَسِمُ إلى قِسْمَيْنِ :
1- الكِتَابَةُ الإجْرَائِيَّة العَمَلِيَّة .
هي كتابة عمليَّة إبلاغيَّة الهدف منها إيصال المعلومة,
ليْسَ لها مقاصد فنيَّة أو أدبيَّة, ليْسَ فيها خلقٌ للغةِ ولا خيالات ولا صور,
ولها عدّة أقسام, منها: البحث, التّقرير, الرّسالة الإداريّة, المقالة غير الأدبيّة, الخطبة غير الأدبيّة,
وكلُّ كتابةٍ لا تهتمُّ بالبلاغةِ, لا تهتم برفيعِ الكلامِ ولا الخيالِ -فقط- تهتم بإيصالِ المعلومة تندرجُ تحتَ هذا القسم .
2- الكِتَابَةُ الإبدَاعِيَّةُ الفَنيَّةُ الأَدَبيَّة .
هي كتابةٌ بلاغيّةٌ رفيعةُ الأسلوبِ, تهتم ببلاغةِ الكلامِ, فيها إبداعٌ وفن, فيها الأدبُ بصورهِ وأخيلته.
ولها عدَّة أقسام, نعدّدُ بعضها: الشِّعر, القصة, المسرحيّة, الخاطِرة, المقالة الأدبيّة, الخطبة الأدبية, السيرة الذاتية ...
هذهِ الكتابةُ لها قيمةٌ تاريخيَّة فما زلنا نتوارثُ الكتابة الإبداعيَّة منذُ امرئ القيس في العصر الجاهلي إلى اليوم, ما زلنا نفتخرُ بإبداعاتِ حسَّان بن ثابت –رضي الله عنه- الشعريّة,
وكتاباتِ الجاحظ النثريَّة, وغيرهم على مرِّ العصور !
*
المَقالة:
قالبٌ من النثر الفنيّ متنوع المضامين
يعالجُ فيه الكاتب فكرته بطريقةٍ ذاتية أو موضوعيّة .
وتصنّف
إلى صنفين رئيسين مهمين, هما:
1-المقالة الذاتية :
وهي التي يُقحم الكاتب فيها انطباعاته ومشاعره وعواطفه .
2-المقالة الموضوعية
وهي التي يُحيل فيها الشاعر نفسه, ويتكلّمُ بموضوعيّةٍ وصرامة .
والمقالةُ أنواع, أشهرها:
1- المقالةُ الأدبيّة
هي الّتي تُكتبُ بأسلوبٍ أدبيّ رفيع, أيًا كان موضوعها .
أشهر كتابها في العصرِ الحدِيث: مصطفى صادق الرافعي, مصطفى لطفي المنفلوطي,
علي الطنطاوي, عباس العقاد, أحمد أمين ...
2- المقالة العلميّة
هِي الّتي لا تهتم إلا بإيصالِ المعلومة, وعليه فنستطيعُ أنْ نقول
أنَّ أكثر من 90% من المقالاتِ المنشورةِ اليوم في الجرائدِ تندرجُ تحتَ هذا النَّوع, إذ لا قيمة أدبيّة لها .
مبادئ بين يدي كتابة المقالة :
1- يجبُ أن تكونَ الأفكارُ لديكَ قبلَ أن تكتب .
انتبه! لا تكتب في شيءٍ لا تهتم به, ولا تملك عنه معلومات
نحنُ تعودنا في دراستنا أن يطلبَ منّا الأستاذ الموضوع الّذي نكتبُ عنه, وقد يختار موضوعًا لا يعنينا
وبالتّالي لا نستطيع الكتابة بشكلٍ جيّد.
رُبما يقول قائل: ليسَ عندي شيءٌ لأكتب عنه!
نقول له: غير صحيح, عندكَ شيءٌ كبير, تملكَ آراء كثيرة, تستطيعُ الكتابة عنها,
أنتَ مهتمٌ بالرّياضة ؟ لكَ فيها رأي ؟ إذن أنتَ تستطيعُ الكتابة .
عليكَ أن تكتشفَ نفسكَ,
أنْ تدربها على اكتشافِ مناطق في عقلكَ تستحقُ الكتابةَ عنها !
حاول وستنجح بلا ريب .
2- أفكارُكَ ليْستَ منظَّمة في رأسك تنظيمًا منطقيًا .
لو سمعنا أفكارنا لنْ نسمعهَا إلَّا بشكلٍ فوضوي, وعليه فلا يصح أن نقدمها كما هي متلجلجة مضطربة,
بل يجب أن ننظمها تنظيمًا هائلًا؛ لنخرجها إخراجًا حسنًا .
3- احرصْ على أنْ تكونَ كلماتك بعددِ معانيك .
لا تحاول أن تعيد وتزيد وتقدّم الفكرة بطريقة وتكررها بأخرى,
القارئُ ليسَ غبيًا! وليسَ مستعدًا لإضاعةِ وقته, يجبُ أن تقدّم الكلمات بأدبِ المعاني
لا تعيدُ في المعنى وتزيدُ بلا معنى .
4- الجماليَّاتُ واللغةُ خدم للمعاني .
اعتنِ بإيصالِ الفكرةِ واعلم أنّ الجماليّاتَ الأدبيّة هي أمورٌ مساعدةٌ لك,
لا تظن أنَّ الهدفَ الرئيسَ هو التَّقعرُ وإخراجُ الكلماتِ الغريبة,- تذكر هذه القاعدة جيّدًا-.
5- يجبُ عليكَ أن تعرف لمن ستكتب؟
ما الشَّريحةُ الّتي ستتقدّم إليها بكتابتكَ ؟ هل أنتَ تكتبُ مقالة ليقرأها المثقفون,
أم تكتبُ مقالة ستنشر في مجلّة عسكريّة, ... عليكَ أن تهتم بالشِّريحة الّتي ستقرأُ مقالتك
لأنَّك إذا عرفت لمن تكتب ستعرف كيف تكتب ؟!
6- إذا أردتَ أنْ تكونَ كاتبًا مقاليًّا
يجبُ عليكَ أنْ تتحلّى بأربعِ صفاتٍ :
- صفة عقليَّة: يجبُ أن توجدَ أفكاركَ ثُمَّ تنظمها .
- صفة نفسيّة: يجبُ أن تكونَ قادرًا نفسيًا على الانقطاعِ عن العالمِ الخارجيّ,
حسيًا أو معنويًا, يجبُ عليكَ أن تتخلّى عن جميع الضغوط, فالكاتب الّذي لا يستطيعُ تفريغَ عقلهِ لكتابته لن يستطع الكتابة كما يجب !
- قدرة لغويَّة بلاغيّة: إنَّ اللغةَ والبلاغةَ هي الخيطُ الموصولُ بين الكاتب والمتلّقي .
- صفة نقديَّة: تحتاجُ أن تنقدَ مقالتكَ من النّاحيتين الفكريّة واللُّغويّة .
موضوعات المقالة:
الموضوعاتُ واسعة إلى الحدِ الّذي لا يحده حد,
لكنّ الكاتب الّذكي هو الّذي يستطيعُ أن يختارَ الموضوع المناسب, ويطرقه من الجهةِ المناسبة .
والمقالة عادة تكتبُ في واحدةٍ من ثلاثِ جهاتٍ كبرى هي: الهوايات, القضايا الاجتماعيّة الحسّاسة, الخبرات الشخصيّة, والموضوع الّذي يُكتبُ فيه ثلاثة أشياء: إمّا حقائق أو آراء أو مشاعر.
الآراء :
في الأشياء الّتي يكون فيها أخذ ورد
وفيها ما هو متفقٌ عليه وما هو مختلفٌ فيه, فالآراءُ المتفقُ عليها ليستَ مجالًا للكتابة !
الحقائق :
ليستَ مجالًا جيّدًا للكتابةِ
فالمتلقي في الغالبِ يعرفُ هذهِ الحقيقة وأنتَ لن تقدم له شيئًا يعرفه !
إذًا الحقائقُ ليستَ مجالًا مهمًّا من مجالاتِ الكتابةِ إلَّا فِي جهةٍ واحدة وهي: الحقائقُ الجديدةُ غير المعروفة .
بنية المقالة :
أَوَّل ما يقابلنا في المقالةِ هو عنوانها,
فهل تكتبه في البداية قبل كتابة المقالة أم في النّهايّة بعد كتابتها ؟
هناكَ رأيان مختلفان :
1. تكتب العنوان ثم تكتب المقالة, وفي الواقع لا ينصح بهذا كثيرٌ من الكتاب .
2. تكتب المقالة ثم تكتب العنوان, وهذا ما يرجحه الأغلب ويُنصحُ به .
هيكل المقالة أو بناؤها
ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
1- مقدمة عامة
تتخصص هذه المقدمة شيئًا فشيئًا,
فلا تدخل في الأفكارِ مباشرة, احرص على أن توجد
المدخل الذي يشوق القارئ .
2- الأفكار
يجبُ أن تبنى بناءً منطقيًا محكمًا,
من الخاصِ إلى العام ومن الجزءِ إلى الكل والعكس .
3- الخاتمة
ربما تقدِّم فيها فكرة جديدة للمتلقي,
فكرة تخرج بها تجعله يقتنع بكلامك, واحذر من التّكرار
أوجد طريقة ذكيّة لتخرج بها دون أن تصدم المتلقي بالإعادة والتكرار .
قطرة :
هذه البنية تخدم المقالة الإجرائية ولا تخدم المقالة الأدبيّة؛ لأن الأدب فن, إبداعٌ وخلقٌ جديد, والإبداعُ لا حدود له
لا أستطيعُ ولا أحد يستطيع أن يعطيكَ بنية للمقالة الأدبيّة؛ لأنَّ كل مقالة أدبية لها بنيتها الخاصّة المتميّزة, انظر في مقالات طه حسين والرافعي ومحمود شاكر ... الخ !
والسَّلام عليكم
ورحمة الله وبركاته !
" أوَّاهُ, ...
مَا أَشْقَى ذَكِيَّ القَلْبِ فِي الأَرْضِ الغَبِيَّة"!
حيّاكم الله
وفيكم بَاركَ الله .
" أوَّاهُ, ...
مَا أَشْقَى ذَكِيَّ القَلْبِ فِي الأَرْضِ الغَبِيَّة"!
ايجاز قمة في البلاغة والابهار والمتعة
لا حرمنا الله كل هذا الإبداع ![]() |
أسألُ الله أن أكون أهلًا لهذا الثناء !
ثم أهلًا بكِ سحابتِي .
بارك الله فيك يا أحجية وجزاك جنة عرضها السموات والارض على ما تقدمين |
وفيكِ بَاركَ الله أقحوانتِي
هَذِه الدعواتُ الطيّبات أُصلّي لله طويلًا حتّى يقبلُها
لا عُدمتكِ .
جميل جدا
قرأته اول مرة واعدت قرأته واحتاج الى ان اقرأه مرة ثانية أسلوب رفيع المستوى وسهل للمتلقي جزاك الله خيرا.. |
أسْألُ الله أن
يشْرح صُدوركم وينفعكم بما قرأتُم .
جزاكِ الله خيرًا لحُسْنِ ذاتكِ, ومتابعتكِ .
وفيكِ باركَ الله سِيلا .
" أوَّاهُ, ...
مَا أَشْقَى ذَكِيَّ القَلْبِ فِي الأَرْضِ الغَبِيَّة"!
مواقع النشر |
![]() |
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
BB code متاحة
الابتسامات متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
|