
أفراح عربية تبدد مدخراتنا
أشارت دوائر تعمل في مجال إعداد حفلات الزواج في المنطقة العربية إلى أن منطقتنا تنفق سنويا بين بليونين وثلاثة بلايين دولار على حفلات الزواج.
وأضافت تلك المصادر أن حفلات الزواج العربية تولد ما يفوق 700 مليون دولار كطلب سنوي على المجوهرات؛ باعتبار أن المجوهرات تشكل ما يقارب ثلث كلفة "حفلات الزواج"، وشمل هذا البند من الإنفاق شراء المجوهرات للعروس والعريس، فضلا عن المجوهرات التي يتزين بها أهالي العروسين للمناسبة.
وعلى سبيل التندر يمكن القول بأن الدول العربية إذا كانت قد أجادت نشاطا ينطبق عليه تعبير "التكنولوجيا العالية" (high-tech) في السنوات الأخيرة؛ فهو بلا شك في مجال "تكنولوجيا الأفراح"؛ فأنت تجد تلك الشاشات الكبيرة التي تحركها أشعة الليزر، وعمليات المونتاج الإلكتروني المتقنة، وذلك الدخان الملون الذي ينطلق في التوقيت المناسب بالدقة والثانية.
ولعل أهم ظاهرة مستجدة في "عالم الأفراح" هي أفراح الألف مدعو (أو ما يزيد على ذلك) في أفخر فنادق "الخمس نجوم". وهي ظاهرة أخذت في الانتشار في الدول العربية في السنوات الأخيرة. وهي حفلات يحضرها بالأساس رجال الأعمال والمال وكبار المسئولين، بالإضافة إلى ما يطلق عليهم عرفا "نجوم المجتمع" من فنانين وصحافيين ونجوم رياضيين، وحيث تسيطر لغة المال والبيزنس والسياسة على أحاديث المدعوين.
وتكلف بعض هذه الأفراح والليالي الملاح ما يفوق المليون دولار أحيانا للحفلة الواحدة. وهكذا باتت هناك طبقة من المنظمين المتخصصين في تنظيم تلك الأفراح الفاخرة، واستيراد ما يلزمها من الخارج من ورود وطعام وديكورات وأثاث لقاعات الأفراح في الفنادق الكبرى.
أرباح للفنادق
ورغم هذا الإنفاق الهائل على الأفراح؛ فإن هذا النمط من الإنفاق ليست له "آثار انتشارية" واسعة بين جنبات الاقتصاد العربي؛ إذ إن المبالغ التي تحصل عليها الفنادق كإيجار لقاعات الأفراح أو مقابل تكاليف "بوفيه الفرح" تصب -في نهاية الطريق- في وعاء أرباح الفنادق التي عادة ما يتم تحويل جانب منها إلى الخارج.
فيما أتعاب وعمولات "المنظمين والمتعهدين" وأجور المطربين والراقصات غالبا ما يذهب جانب كبير منها لشراء العقارات في الداخل أو الإنفاق الاستهلاكي الترفي على الاستيراد من الخارج، أو شراء المجوهرات التي تعتبر في حكم "المكتنزات" التي يتم حجبها عن دورة النشاط الاقتصادي.
وحسب إحدى المجلات التي تصدر في إحدى العواصم العربية، تزينت العروس في أحد الأفراح بنحو 12 كيلوجراما من الذهب الخالص!.
حصاد تلك السلوكيات هو بكل بساطة تبديد للطاقة الادخارية في العديد من البلدان العربية، في وقت ترزح معظم الدول العربية تحت عبء تصاعد الديون الخارجية.
ودعونا نقارن ذلك بما حدث في بلدان آسيا الناهضة التي كانت في أوضاع أكثر بؤسا من الدول العربية في أوائل الستينيات، لكن الجهد الإنمائي لتلك البلدان ركز على ضبط الاستهلاك لتعظيم "الطاقة الادخارية"، وتوجيهها إلى القنوات الاستثمارية الإنتاجية، ومن هنا كانت "المعجزة الآسيوية".
إن الفرق بيننا وبينهم أنهم اشتروا "المستقبل" على حساب الحاضر، فيما نحن العرب نغرق في شراء الحاضر على حساب المستقبل!.