كيف يمكننا الاستفادة من الطفل في الدعوة إلى الله؟
يروي أحد الأخوة قصة حقيقية أخرى، فيقول: " إن طفلاً ذهب مع أقاربه لإلقاء كلمات في قرية مجاورة، وذهب كل منهم إلى شارع ليطرق باب الناس وليعلمهم عن محاضرة، وعندما طرق الطفل باب أحدهم، خرج صاحب البيت مغضباً، فقال له الطفل: "نحن ضيوف أتينا من مدينة مجاورة، وبعد المغرب سنلقي محاضرة، ونتمنى أن تحضر"، فغضب الرجل وبصق في وجه الطفل، فما كان من الطفل إلا أن مسح البصاق من وجهه، وقال: "الحمد لله الذي ابتليت في سبيله".
اهتز الرجل وتأثر تأثراً كبيراً بموقف الطفل، واعتذر منه كثيراً، وذهب معه للمسجد واستضاف الطفل ومن معه في بيته.
رغم بساطة الطفل، وإمكانية تعلمه بسرعة ويسر، وإمكانية تطويعه للخير، إلا أن التعامل مع الطفل يجب أن ينحصر ضمن نطاق معين من الأساليب والتوجهات الناجحة، فلكل بيت باب يطرقه، ولكل مسألة مدخل لها.
والاستفادة من الطفل في الدعوة إلى الله يجب أن تبنى على قواعد وأسس متينة منذ البداية، وتبقى بعيدة -قدر المستطاع- عن السلبيات التي يمكن أن تواجه هذا السبيل.
يحدد الأستاذ عادل العبد المنعم (المدرّس في ابتدائية الوليد بن عبد الملك في الحرس الوطني) بعض الطرق التي تمكننا من الاستفادة من الطفل في الدعوة، فيقول: " في البداية لا بد من تأسيس الطفل وتربيته تربية إسلامية راسخة كي نستفيد منه مستقبلاً في الدعوة إلى الله، وهناك مجالات يستطيع الطفل أن يمارسها في الدعوة إلى الله، مثل: دعوة زملائه وأصدقائه إلى فعل الفضائل وترك الرذائل، فإذا رأى هذا الطفل زميلاً له قد كذب مثلاً، فإنه ينصحه ويقول له: إن الكذب حرام، وهكذا...".
فيما يقول الأستاذ عبد الله الصغير: " يمكننا ذلك بغرس الإيمان في نفسه، وذلك بتهيئة الجو الإيماني في محيطه، كذلك بزرع الثقة به وتنمية ثقته بنفسه بحيث يشعر بقدرته على القيام بالمهام والتكاليف الدعوية، ثم بتأهيله لبعض الصفات والخصائص المطلوب توافرها في الداعية كالقدرة على الحديث أمام الناس وحسن الخلق واللطف (التلطف) مع الآخرين وغيرها، أخيراً وجود القدوة الصالحة المحببة إلى نفسه".
ويعدد الأستاذ بدر عبد الله الصبي بعض النقاط الهامة في هذا المجال بما يلي:
- تربية الطفل على الأخلاق الحسنة، وحب تقديم الخير للآخرين.
- تدريب الطفل على حسن التعبير عن أفكاره.
- تنمية مهارة الإلقاء ومواجهة الجمهور.
- تعويد الطفل على المبادرة واتخاذ القرار، وتقوية شخصيته.
أما الأستاذ خالد بن محمد بن خليفة آل عمر (المدرس في حلقات تحفيظ القرآن الكريم بالرياض) فيرى في كتاب الله -عز وجل- خير معين للطفل على اكتساب معظم المهارات في الدعوة إلى الله، حيث يقول: " إن الحرص على تحفيظ الطفل كتاب الله، يعد من أجَلّ الأعمال التي يمكن عملها بتوفيق الله _عز وجل_ للاستفادة حالياً ومستقبلاً في مجال الدعوة، فكتاب الله فيه كل الوسائل الممكنة في الدعوة إلى الله، فيتعلم الطفل أحكام الصلاة وتنفيذها على الوجه الصحيح، وذهابه وإيابه للمسجد جماعة مع المسلمين يجعله قدوة حسنة ويجعله متمكناً من الدعوة إلى الله بحثِّ زملائه على الصلاة في المسجد".
سلبيات يجب ألا نقع فيها:
لكل عمل -مهما صغر أو كبر- إيجابيات وسلبيات، ويقول البعض: " إن الخطأ يأتي مع العمل"، فإن لم تكن تعمل، فلا أخطاء لديك.
لذلك، فإننا نعي أن رسم خطة ناجحة للاستفادة من الأطفال في مجال الدعوة، وتطبيق هذه الخطة، ستتأثر بسلبيات عديدة، وقد تواجه مشاكل طارئة، يجب أن نكون متنبهين ويقضين لها، كي لا تفاجئنا وتحبط أعمالنا، وكي لا تؤدي بالعمل الدؤوب إلى طريق سلبي، بعيد عما نتمناه.
من تلك السلبيات التي يجب ألا نقع فيها في مجال الاستفادة من الطفل في الدعوة، ما يعددها الأستاذ بدر الصبي، وهي:
- تعريض الطفل لاستجداء الناس وإراقة ماء الوجه، وذلك من خلال جمع التبرعات، أو ترك الأموال وإهمالها معه مما يغريه بالاختلاس.
- القذف بالطفل في المواقف الدعوية الصعبة، مثل: إنكار بعض أنواع المعاصي لدى من هو أكبر منه، مما قد يعرضه للتراجع عن الدعوة في الكبر.
وهذا الحرص على تلافي السلبيات يؤكد على أهمية كرامة الطفل ومشاعره، وعدم تعريضه لمواقف قد تؤدي به إلى إركاسات سلبية في شخصيته، قد ترافقه مدة طويلة من حياته.
كذلك يحدد الأستاذ عادل العبد المنعم بعض الصفات التي تركز على أهمية خلق فرص إبداعية للطفل، فيقول: " يجب علينا ألا نستهين بقدرات أطفالنا، فهذا الطفل لديه قدرات ومواهب يجب أن نستغلها في الدعوة إلى الله، فمثلاً لا نفرض على الطفل شيئاً معيناً، بل نترك له الحرية في الإبداع، وابتكار بعض الأساليب التي تفيد في الدعوة إلى الله، ويبقى واجبنا نحن في الإشراف والمتابعة والتصحيح".
وفي ذلك إتاحة الفرصة أمام الأطفال للتعبير عن أنفسهم بطريقتهم الخاصة، وإبداع أفكار جديدة، قد تصبح أساساً جديداً في مجال الدعوة.
فيما يذكر الأستاذ عبد الله الصغير بعضاً من هذه السلبيات، فيقول: " من أهم السلبيات ألا نحرج الطفل بعمل لا يندفع إليه ولا يرغب به؛ لأنه يولد عنده نفوراً ولو بعد حين كذلك لا يكلف بعمل يفوق مستوى تفكيره أو يعرض لمواقف صعبة لا يستطيع التصرف فيها، ومن السلبيات تعويده على الماديات بحيث لا يقوم بعمل إلا ويكافأ عليه مادياً بل لا بد من مكافآت معنوية أحياناً".
وتعدد السيدة أم عبد الرحمن بعضاً من السلبيات التي تلاحظها من خلال تجربتها الشخصية، وهي:
أ – التعامل معهم على أنهم صغار قليلو القدرات، ليسوا أهلاً لتحمل المسؤوليات.
ب – استعمال الألفاظ الشرعية مع صغار السن مما يدفعهم لاستعمالها في غير مواضعها، وبخاصة المنطوية على فتاوى تصدر عن علم كلفظ الحلال والحرام.
جـ - السلوك الذي يبدو متناقضاً يربك الطفل وربما صدّه عن التأسي بمربيه – حسب سنه-.
ومعرفة هذه السلبيات تشكل ضمانة مساندة لتأسيس صحيح لطفل دعوي قادر على تحمل مسؤولية من نوع جديد، لم يكن بالحسبان -أحياناً- الاستفادة منها.
حتى لا نقف عند حد معين:
العمل الدعوي عمل كله بركة، والدعوة إلى الله هي عمل الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- يحدث فيها الأجر العظيم من العمل القليل، وكلما استطاع الداعي إلى الخير أن يؤثر أكثر في نفوس الناس، حصل على أعظم الأجور، ذلك أنه وكما قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً" أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة.
لذلك، فمن المفيد أن نحاول تطوير العمل الدعوي لدى الأطفال، كي لا نقف عند حد معين، قد يموت عنده التطوير والاستمرار، وقد يحدث فيه الملل والفتور.
وكلما استطعنا أن نطور عمل الأطفال في الدعوة إلى الله، أصبح الأجر أعظم والعمل أدوم.
يرى الأستاذ عادل العبد المنعم أن اكتشاف المواهب في الطفل، هي أساس تطوير عمله، فيقول: " نستطيع أن نطور الاستفادة من الطفل في مجال الدعوة عن طريق اكتشاف المواهب والقدرات التي يتميز بها كل طفل، ونقوم بتنمية هذه المواهب وتطويرها عن طريق بعض البرامج والدورات المصغرة للأطفال، فهذه تساعد الطفل في تنمية موهبته وتطويرها، وبالتالي نستفيد من هذه الموهبة في مجال الدعوة إلى الله".
فيما يركز الأستاذ عبد الله الصغير على مسألة تنمية ومتابعة الأطفال؛ لرفع مستوى عملهم، وتطوير أساليبهم ، فيقول: " كلما ارتقينا بالطفل إيمانياً واجتماعياً وثقافياً استطعنا أن نطور الاستفادة منه، ولذلك لا بد من حب غرس القراءة في قلبه وتعويده حب الخير ومساعدة الآخرين، وعدم إبداء التناقضات أمامه بحيث أوامر اليوم تكون نواهي بالغد، وأخيراً عدم التقليل من شأنه بل إعطاؤه المجال دائماً للتعبير عن نفسه وإبداء ما فيها مع التوجيه وتقويم الخطأ _إن وجد_ أيضاً التأليف القصصي الموجه للطفل".
أما الأستاذ بدر الصبي، فيركز على دور المجتمع والجهات المختصة في ذلك، ويذكر بعض الأساليب التي تساعد في تطوير عمل الطفل الداعية، وهي:
- تكوين مؤسسات أو لجان لتربية الأطفال تربيةً إسلامية متكاملة.
- نشر مجموعة من الأفكار الدعوية التي يمكن للأطفال المساهمة فيها.
- بث هذه الفكرة لدى المعنيين بتربية الطفل.
ويذكر الأستاذ خالد آل عمر بعض الأساليب الأخرى، منها:
- استشارة الطفل وأخذ رأيه في بعض الأمور المتعلقة بالدين والدعوة ومعرفة كيفية رده وتصرفه وموقفه حيال ذلك.
- تعويدهم على القيام بعدد من المسؤوليات.
- تعويده على المشاركة الاجتماعية كالتعاون مع جمعيات البر ومساعدة الفقراء والمحتاجين وإغاثة اللهفان، وكذلك تعويده على إلقاء الكلمات بعد الصلاة في المدرسة.
- تعويده على اتخاذ قراره دينياً واجتماعياً ونفسياً وفي كل مواقف حياته قدر المستطاع .
كما توجد بعض الأساليب الأخرى، وهي:
- وجود محاضن تربوية لتنمية قدرات الطفل الداعية.
- الاهتمام بالبيئة والبيت والمدرسة في حياة الطفل، وتحمل كل منهم مسؤوليته.
- التشجيع والمكافأة للأطفال، ما ينمي لديهم روح التطوير والعمل الدؤوب.
- لا بد له من أن يأخذ حقه من الطفولة كاللعب والمرح والنوم والأكل، وإن لم يأخذها في صغره فيخشى أن يأخذها إذا كبر بطريقة خاطئة.
القصص التي يرويها الناس حول تأثير أحد الأطفال على أقرانه أو أقربائه أو مجتمعه، كثيرة ومتعددة، والأسباب التي أدت إلى ذلك متنوعة ومشاهدة بشكل شبه يومي.
بقي علينا فقط أن نخلص النية لله _عز وجل_ ونعمل ما بوسعنا لكسب تلك القدرة الصادقة والبريئة والمفعمة بالحيوية والنشاط، لإدخالها إلى العمل الإسلامي الدعوي، أملاً بالأجر والمثوبة من الله _تعالى_، وعملاً بسنة نبيه محمد _صلى الله عليه وسلم_، ونشراً للعمل الصالح بين الناس، علّ الله أن يجعل من الجيل الجديد، جيلاً صالحاً يستطيع أن يحقق للأمة الإسلامية ما عجزت عنه أجيال كثيرة حتى الآن.
الاستفادة من الأطفال في الدعوة إلى الله _تعالى_