دلت نصوص القرآن الكريم على أن الإنسان يخلق على أطوار ومراحل متتالية : قال تعالى : ﴿وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا(14)﴾[نوح:14]
وقال تعالى : ﴿يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ﴾ [الزمر:6] .
وقد بينت نصوص السنة النبوية أن الأسبوع السابع يمثل نقطة تميز واضحة في حياة الجنين ، كما وصفت هيئة الجنين في الأربعين يوماً الأولى ثم حالته بعد ذلك .
وقد حدد الرسول صلى معالم كل فترة وتفاصيلها الدقيقة
أ) الأربعون يوما ًالأولى :
وصف رسول الله y حالة الحميل في الأربعين يوماً الأولى ، فيما رواه مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال :
حدثنا رسول الله y وهو الصادق المصدوق قال : ( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أربعين يوماً ، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد)[67].
ويدل هذا الحديث على حقيقتين أساسيتين :
الأولى : أن جمع خلق الإنسان يتم في الأربعين يوماً الأولى .
والحقيقة الثانية : أن مراحل الخلق الأولى : النطفة ، العلقة ، والمضغة إنما تتكون وتكتمل خلال هذه الفترة (الأربعين يوماً الأولى ) .
ب) جمع الخلق ( المراحل الجنينية الأولى ) :
لقد وصف رسول الله y حالة الجنين خلال الأربعين يوماً الأولى في الحديث الذي رواه ابن مسعود رضي الله عنه بقوله : (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك) صحيح مسلم – كتاب القدر ، وصحيح البخاري بدون لفظ ( في ذلك ) .
ويقرر علم الأجنة أن في الأسبوع الخامس يكون جسم الحميل مقوساً شبه دائري ، ولا يزيد طوله عن (1) سم تقريباً ، ويكون نصفه العلوي ثلثي طول جسمه الكلي ، و يكتسب في هذا الوقت براعم أطرافه ، ويكون له ما يشبه الذيل ، وقلبه في مرحلة بدائية جداً ، ويخفق بصورة منتظمة .
وتظهر الأطراف العليا في الأسبوع الرابع ، ويكون شكلها في بداية الأسبوع الخامس متميزاً كشكل المجداف .
ولكن الأطراف العليا تتطور في نهاية الأسبوع الخامس ، وتشاهد فيها صفائح مبتورة لليد، وإشعاعات إصبعية
الجنين في نهاية الأسبوع الخامس وبداية السادس وهو يتعلق بالأغشية الأولى بواسطة الحبل السري . ويبلغ حجمه من الإكليل حتى الكفل 12 ملم . (1) برعم الذراع (2) القوس الخيشومي (3) الأغشية الأولى (4) العين (5) الدرنة التناسلية (6) بروز القلب (7) برعم الساق (8) الذيل (9) الحبل السري .
وعند نهاية الأسبوع السادس ، وقبل اليوم الثاني والأربعين لا تكون صورة الوجه واضحة أو شبيهة بصورة وجه الإنسان
وتكون العين والأذن والأعضاء التناسلية الخارجية في صورة أولية من مراحل تطورها قبل اليوم الأربعين ، وهي لا تعمل ولا تشبه أعضاء الإنسان ، ومع ذلك فتبدأ العين تطورها خلال الأسبوع الرابع مع تكون الحويصلة العينية التي تتغلف لتولد الكأس البصري ، ويحفز هذا تكون العدسة قبل نهاية الأسبوع الخامس .
ويتم بعد ذلك تمايز الشبكية ، وظهور الألياف البصرية التي تصل الدماغ لتكون التقاطع البصري .
وتبدأ الأذن الداخلية تطورها في بداية الأسبوع الخامس كصفيحة ثخينة من الأديم الظاهر مكونة الصفيحة الأذنية التي سرعان ما تغطس تحت سطح الصماخ السمعي الظاهر لتكون الحويصلة الأذنية التي تفقد اتصالها مع السطح لتولد الأذن الداخلية ، ولا يكون للأذن في هذه المراحل الأولية شكل أذن الإنسان .
ويتفق هذا الوصف لتطور الحميل مع كلمة (يجمع خلقه) التي وردت في حديث ابن مسعود لتصف المظهر الخارجي المتقوس المتجمع ، والناحية التشريحية الداخلية ، حيث تكون الأجهزة والأعضاء متجمعة في حالتها الابتدائية وهي في كتلة صغيرة ، فيكون الوصف (يجمع خلقه) معبراً عن الناحية التشريحية بدقة .
مرحلة النطفة :
تبدأ هذه المرحلة في التكوين من التقاء ماءي الرجل والمرأة ويلاحظ في أول التكوين اندغام الجينات الذكرية والأنثوية كما يلاحظ اختلاط الماء أيضاً .
إن وجود الوسط السائل يتفق مع المشاهدات الحديثة بأن الحامض النووي الوراثي (DNA) ينتقل من هيولي البييضة إلى الذرية ، فبداية هذا الطور مكونة من نطفة مختلطة منس ائلين وتتحرك في وسط من السائل ، وتستغرق فترة زمنية هي الأيام الستة الأولى من الحمل ، ويبدأ التحول بعد ذلك إلى طور العلقة .
وبالإضافة إلى المنوي ، والبييضة ، والزيجوت (البييضة الملقحة) الموجودات في سوائل ، فإن ثمة بنيات في تكوين كل منها مليئة بالسائل أيضاً ، وتتطور في التويتة العديد من الخلايا، وبالإضافة لذلك فإن كل هذه العمليات تتم في قناة فالوب ، المحتوية على سائل وتستمر النطفة في نموها .
وبعد حوالي ستة أ يام من ذلك يشق الجنين طريقه إلى سطح بطانة الرحم حيث يتم انغراس النطفة في الرحم ، وتكتمل بذلك مرحلة النطفة في اليوم الرابع عشر من التلقيح تقريباً وبذلك تأخذ حصتها من الأربعين يوماً .
طور العلقة :
تستمر الخلايا في التراكم بعد مرحلة النطفة ، ويتصلب الجنين مع زيادة تراكم الخلايا ، ثم يتثلم عند تكون الطية العصبية ، ويتم تعلقه بجدار الرحم بعد أسبوعين ، ويأخذ الجنين في اليوم (الحادي والعشرين) شكلاً يشبه العلقة[68] ، كما تعطي جزر الدماء المحبوسة في الأوعية الدموية للجنين لون قطعة من الدم المتخثر ويكون هذا إلى الواحد وةالعشرين وبهذا تتكامل المعاني التي يدل عليها لفظ علقة إلى حوالي اليوم الواحد والعشرين .
وبهذا تأخذ العلقة حصتها من الأربعين يوماً وإلى هذا تشير الآية الكريمة : ﴿ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً ﴾ [المؤمنون:14] .
طور المضغة :
يبدأ هذا الطور بظهور الكتل البدنية في اليوم (الرابع والعشرين) أو (الخامس والعشرين) في أعلى اللوح الجنيني ، ثم يتوالى ظهور هذه الكتل بالتدريج إلى مؤخرة الجنين .
وفي اليوم (الثامن والعشرين) بعد الإخصاب يتكون الجنين من عدة فلقات تظهر بينها انبعاجات ، وبوجودها يصبح شكل الجنين شبيهاً بالعلكة الممضوغة من حيث المظهر الخارجي .
ويكتسب الجنين تدريجياً شكل المضغة من حيث الحجم (حيث يكون طول الجنين (1سم) وهو أقل ما يمضغ وبهذا يكتمل طور المضغة في بقية الأيام الأربعين الأولى من حياة الجنين، وهذا الترتيب في خلق الأطوار الأولى يجيء فيه طور المضغة بعد طور العلقة مطابقاً لما ورد في القرآن الكريم قال تعالى : ﴿ فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً ﴾ [المؤمنون:14] .
وينتهي هذا الطور بنهاية الأسبوع السادس .
وفي الأسبوع السابع تبدأ الصورة الآدمية في الوضوح نظراً لبداية انتشار الهيكل العظمي.
الحد الفاصل :
بعد استعراض ما تقدم نرى أن : النطفة ، والعلقة ، والمضغة ، تكتمل خلال الأربعين يوماً الأولى ، وترى الجنين في نهاية هذه المراحل في شكل مضغة لا يدل على مخلوق إنساني .
وفي اليوم الخامس والأربعين يتم تكون الأعضاء وانتشار الهيكل العظمي ، بصورة ظاهرة ويستمر الانقسام الخلوي والتمايز الدقيق بعد ذلك ، ولكن الخطوات الأساسية للتفريق بين شك المضغة والشكل الإنساني تكتمل بين اليوم 40-45.
اختلاف في فهم الحديث النبوي :
وإذا عدنا إلى فهم علماء المسلمين للحديث النبوي المشار إليه سابقاً نرى أنه قد وقع خلاف بين علماء المسلمين القدامى في تحديد مدة النطفة والعلقة والمضغة ، هل هي أربعون يوماً لكل منها أم أربعون يوماً لها جميعاً بناء على تفسيرهم لحديث عبدالله بن مسعود السابق .
لقد فسر بعض هؤلاء العلماء هذا الحديث على أنه يعني أن النطفة والعلقة والمضغة تتم على التوالي في فترات طول كل منها أربعون يوماً ، وفهموا أن عبارة (مثل ذلك ) تشير إلى الفترة الزمنية (أربعين يوماً) واستنتجوا من ذلك أن المضغة لا تتم إلا بعد (120) يوماً .