ابتسمي الآن .. ابتسامة الرضا
ابتسمي الآن .. ابتسامة الرضا
كم نسبة الدنيا إلي الآخرة ؟ واحد إلى ألف ؟ واحد إلى مليون ؟ واحد إلى مليار ؟ واحد إلى ألف مليار ؟ إنها أقل من هذا بكثير ،
إنها نسبة الفناء إلى الخلود ! والخلود لا يُحدّ بمليارات السنين .
وعدم زواجك في الدنيا ماذا يشكل بالنسبة لزواجك في الآخرة التي يقترن بها الخلود ؟
لقد أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين لصحابته الكرام ، رضوان الله عليهم ، نسبة متاع الدنيا إلى متاع الآخرة فأخبرهم بأنها مثل من يغمر إصبعه في البحر ، فكم من الماء يخرج به من يغمر إصبعه في البحر ؟!!
لو أردت أن تملأي استكانة من ماء البحر ، عبر غمرك إصبعك في الماء ، فكم تحتاجين من الزمان ؟!
الأرجح ، أنك لن تستطيعي ملئها أبداً !
فكيف بماء البحر كله ؟!
ألا يهوّن عليك هذا عدم زواجك ؟
ثم أسألك : كم واحدة مثلك ؟
إن إحساس المرأة العانس أنها ليست وحدها التي لم يكتب لها الزواج ، يخفف كثيراً من مشاعر الضيق التي تملأ نفسها ، ويجعلها أكثر تسليماً بقضاء الله ، فهي تذكر أن ملايين النساء لم يتزوجن مثلها .
في الكويت أوردت دراسة مهتمة بشؤون الأسرة أن نسبة النساء المتزوجات تتجه نحو التقاضي بصورة تدريجية ، حيث انخفضت نسبة المتزوجات من 71% في عام 1975 إلى 60% في عام 1980 .
وأشارت دراسة أخرى إلى أن نسبة من لم يسبق لهن الزواج للفئة العمرية ( 20-24 سنة ) كانت 16% في تعداد 1965 ، وارتفعت نسبتهن إلى 39% في تعداد 1980 .
وفي دراسة ثالثة تؤكد الإحصاءات ارتفاع نسبة من لم يسبق لهن الزواج بين الإناث من 20% عام 1970 إلى 28.5% عام 1985 .
وفي الإمارات العربية المتحدة ذكر تقرير صارد عن الاتحاد النسائي أن العوانس يشكلن نسبة 50% من إجمالي عدد النساء غير المتزوجات ( أرامل ومطلقات وغيرهن ) .
وقالت الدكتورة آمنة خليفة في معرض تعليقها على التقرير : إن عدد العوانس تضاعف منذ إجراء الإحصاء الوطني الشامل عام 1985 ، وذلك حسب الإحصاءات والعينات الاجتماعية التي تقوم بها وزارة العدل والدارسون في الجامعة .
وأضافت : علينا أن نذكر أن هناك أكثر من 30 ألف امرأة ستعيش بقية عمرها وحيدة ، مع العلم أن هذا الرقم يزداد سنوياً بسبب غياب الحلول الناجعة لهذه المشكلة .
وفي مصر أكثر من أربعة ملايين امرأة عانس .
وفي فرنسا عشرة ملايين امرأة غير متزوجة أو أرملة أو مطلقة ، والحال لا يختلف كثيراً في سائر أقطار أوروبا .
أنت إذن لست وحيدة في هذا ، وقديماً قالت الخنساء في رثاء أخيها صخر :
يذكرني طلوع الشمس صخراً
وأذكره لكل غروب شمس
ولولا كثرة الباكين حولي
على إخوانهم لقتلت نفسي
وما يبكين مثل أخي ولكن
أسلّي النفس عنه بالتأسي
هذا ما قالته الخنساء في الجاهلية ، في قصيدة ترثي فيها أخاها صخراً ، فتعزي نفسها بهذه الحقيقة ، وهي كثرة النساء اللواتي قُتل إخوة لهن ، فهي ليست وحدها المصابة بهذا المصاب .
إن إحساسك بأنك لست وحدك التي لم يكتب لها الزواج ، يخفف كثيراً من مشاعر الضيق التي قد تثور في نفسك ، ويجعلك أكثر تسليماً بقضاء الله .
ولعل معاناتك تزداد من عدم زواجك حين ترين امرأة مع زوجها وأولادها يخرجون في نزهة !
أيجعلك هذا تتذكرين وحدتك ، وحرمانك الزوج ومساندته، والأولاد وحبورهم ؟!
تمهلي قليلاً ، ولا تدعى هذه المشاعر السلبية ، والأحاسيس المحبطة ، تملأ عليك نفسك ، وتزرع فيك الحزن .
لقد رأيت جانباً واحداً من حياة هذه الأسرة ، لكن هناك جوانب كثيرة أخرى لم ترها عيناك .
لعلك ، لو رأيت الزوجة المبتلاة بزوج قاس لا يرحم ، واستمعت إلى شكواها من معاناتها الدائمة منه ، لربما حمدت الله على أن نجّاك من الزواج .
ولو رأيت زوجة لا تجد وقت راحة ، نالت الأعمال من صحتها وذهبت الهموم بنضارة وجهها ، واستمعت إلى شكواها من هذا كله ، لربما حمدت الله على أن خفف عنك وأعفاك مما قد لا تحتملينه .
ولو جلست مع مطلقة تندب حظها ، وتعلن ندمها على زواجها ، واستمعت إليها وهي تشكو لك كم احتملت وعانت حتى حصلت على الطلاق ، واستعادت أمنها ، لربما حمدت الله على أنك لم تتزوجي ولم تعاني مثل ما عانت .
إن تفكرك ، أختي الغالية ، بما تعانيه آلاف الزوجات ، وما احتملته كثيرات غيرهن انتهى زواجهن بالطلاق ، يخفف عنك كثيراً من مشاعر الآسى التي تثور في نفسك بسبب عدم زواجك .
إن ذاك التفكر يبدد إحساسك بأنك مظلومة ، ويُحل محله إحساساً جميلاً بالرضا ، الرضا الذي يجلب لك رضا الله ، كما حدثتك في الرسالة السابقة .
تذكري شكوى صديقتك من صراخ زوجها المستمر ، وغضبه الدائم ، ونجاتك من هذا .
واستعيدي مشهد جارتك التي خرجت من بيتها باكية بعد أن ضربها زوجها وألحق بها ضرراً وأذى .
واستحضري حديث أختك التي لا تجد وقتاً تهتم فيه بنفسها وبممارسة هوايتها الأثيرة لديها وهي القراءة .
ستجدين أنك في نعم كثيرة ، وستطمئنين إلي أنك أحسن حالاً من متزوجات كثيرات قد يحسدنك على ما أنت فيه من مسؤوليات قليلة وأعباء خفيفة ، وأوقات وافرة كثيرة تمارسين فيها هواياتك من قراءة أو كتابة أو دعوة أو زيارة أو نشاط خيري أو اجتماعي .
أرجو أن تبتسمي الآن ابتسامة الرضا ، فأنت في خير عظيم ولن تستبد بك بعد اليوم مشاعر القلق ، والآسى ، والانهزام .
أرجو أن تفسحي المجال في نفسك لمشاعرك الطمأنينة والرضا والهناءة .
أرجو أن تكوني سعيدة
مجلة الفرحة: العدد (10) يوليو 1997 ـ ص : 42