لقد تأملت كثيرا من أحوال المحزونين والمكتئبين والذين ( يوسوسون بأنفسهم) بأن لديهم مرضا نفسيا عضالا وهم في الحقيقة أناس أسوياء عقلاء تختبرهم في مواطن كثيرة فتجدهم على مستوى عال من التحفز الذهني واليقظة الفكرية والتوقد والحماسة
لكن هي لحظات او قل ان شئت هي ومضات فكرية تخيم على عقولهم فتضخم الصغير وتعلي من شأن اليسير من الامور ثم تقوم بدوران فكري حولها أشبه بالطواف.. فكلما حاولت الافكار الخروج من هذه القيود وكلما أملت ان تختط لنفسها خط سير جديد بعيد عاودت الخطى السير في عين هذا السبيل المؤلم في مجموعة فكرية ذات قطب واحد تحوم حوله..
انني هنا أؤكد اني لا أتحدث عن مريض نفسي هو بالفعل يعاني مرضا يستدعي تدخل الأخصائيين والاطباء فهذا شأن آخر.. لكني اتحدث الى من به لمم من الفكر المترع بالألم.. أتحدث الى من اختنق او كاد يختنق بمجموعة من الأعاصير الفكرية حول موضوع واحد.. وفي الغالب ان تكون الافكار المشبعة بالحزن انها تدور في فلك واحد وحول عنوان واحد لكن تتفرع عنه الافكار والصور والأخيلة.. فاذا قدر ان ضرب هذا الموضوع بصاروخ ايماني او ومضة روحية مضيئة.. او جلسة مع صديق صدوق أمين فانها تزول او تكاد تزول..
فالكثيرون لا يعلمون ما تصنعه الأفكار والأخيلة والصور في احساس الانسان ونفسه وعقله وحركة جسده.. ألست قبل كل عمل تكون قد حدثت نفسك بهذا الفعل؟
أليس كل انجاز في الحياة وكل ابداع بل وكل حزن وألم ودمار كان يوما من الأيام مجرد خاطرة عابرة.. تحولت الى فكرة.. فصارت الفكرة ارادة فتجلت في الوجود ثمرات تلك الخواطر.. ؟
هذا على الصعيد العام.. فما بالنا بالصعيد الخاص.. هل نراقب أفكارنا؟ هل نتابع خواطرنا؟
انني اتحدث الى كل محزون.. وكل متألم.. وكل من ينشد ابتسامة صادقة يحلف انها خرجت من اعماق قلبه.. اني أذكرك اخي ان الابتسامة والفرح والسرور كل أولئك ثمرات وليست أسبابا ولا امورا فاعلة في النفس بل هي نتائج.. ابحث عن السبب والمحرك.. ما آل اليه أمرك وحالك من حالة نفسيه وألم وغضب وضيقة صدر كل هذا بسبب محركات داخلية في نفسك وصور ذهنية تفاعلت معها فصرت تركز عليها..
قد يقول البعض : أوليس الاعراض عن الله وعن شرعه ودينه سبب لحدوث الحزن والألم النفسي؟
الجواب هو بلا شك .. لكن الحديث هنا هو عن سبب آخر وعن محرك آخر.. فالاعراض عن دين الله سبب رئيس للظلمة في القلب والحزن الذي يصيب النفس أولم يقل ربنا ( ومن أعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا) معيشة ضيقة بسبب بعده عن ربه وخالقه.. هذا سبب.. لكن هناك أسباب أخرى تحدث بسبب ما يحدث به الانسان نفسه .. يكون منطلقها من الداخل.. من الأعماق..
ولهذا صار من المهم ان يسعى الانسان في السيطرة على افكاره وأخيلته وان تكون دائما في امور ايجابية وكلما عرضت له فكرة ملحة عارضة ان ينشغل عنها ويصرف فكره في امر أخر.. وهذا يحتاج الى وقت ودربة وجهاد.. لكنه لن يكون أشق من معاناة الألم الذي لا حقيقة له في الواقع.. ولو تأمل الواحد منا ما أنعم الله تعالى به عليه من النعم من الصحة والعافية والرزق والستر والتوفيق والحفظ والأهل والأمن والله لما خطر على باله حزن ولا ألم.. ( وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها ان الانسان لظلوم كفار)
لو تأمل الانسان ما صارت اليه حاله بين الأمس واليوم.. وما وهبه الله له من خير في الماضي والحاضر لطاب خاطره وارتاحت نفسه.. لكن النفس طماعة.. وبحثها دائما وحرصها على نيل المطلوبات جعلها تعتاد الا تأنس الا بتحقيق مطلوب وجعلها لا تتأثر لما هو موجود رغم انه في الحقيقة ان السعادة غالبا والهناء والحبور هو فيما ما يملكه الانسان لا فيما لا يجده ..
فاقبال منك على باريك وخالقك وتفويض أمرك اليه ودعائه والتضرع اليه كفيل ان يشعرك براحة وهدوء وصفاء لا مثيل له في الوجود.. اقرارك بعبودية خالقك وقناعتك بما وهبك ورزقك ورضاك بقدره وانتظار فرجه هي أبواب السعادة والفلاح..
دع الحزن والقلق ولا تفرح شيطانك وتجعله يفرح لألمك.. انتفض متكلا على ربك محبا له متوكلا عليه في جميع أمرك.. تفلح.. لا تدع خيالك يشطح بك يمينا ويسارا في متاهات بعيدة.. فان انت لم تمسك بزمام عقلك.. فهو يقدر على تولي هذه المهمة بدونك لكنك ستفاجئ بما لا يسرك أحيانا.. فكم من رهين خاطرة عارضة.. وكم من سعيد بسبب ومضة فكرية عابرة