بدأت معالجة الكآبة بواسطة الصدمة الكهربائية تعود تدريجياً الى مجدها القديم. واستعمل هذا النوع من المعالجة المسماة (ECT)، لاختصار عبارة علاج التشنٌج الكهربائي، على مدى عقود متتالية لمعالجة الكآبة الحادة. لكن الآثار الجانبية الجدية التي كانت تكتنف هذا الإجراء العلاجي، مثل فقدان الذاكرة على المدى القصير والطويل، أنزلته الى مرتبة دنيا وجعلت منه آخر سبيل طبي لمواجهة مثل هذه الحالات النفسية.
وكان العلاج كثير الاستعمال في أربعينات القرن الماضي إذ كان يعتبر آلية لتحسين الإجراءات على فصوص المخ الجبهية. ثم احتل العلاج منزلة خلفية نتيجة ولادة ثورازين (Thorazine) في خمسينات القرن الماضي، وهو دواء مسكٌن مستعمل لمعالجة مرض عقلي مسمى الذهان (Psychosis). والآن، بعد مرور عقود عدة، باشرت شركة (Neuronetics) الأميركية أولى تجاربها الطبية في حقل الحفز المقطعي المغناطيسي (Transcranial Magnetic Stimulation)، أي (TMS) باختصار.
ويعد الإجراء الجديد بمعالجة الكآبة في شكل عملي وسريع ومماثل للمعالجة من طريق الصدمة الكهربائية إنما بدون إتلاف الوظائف العقلية. وفي حال آلت المرحلة التجريبية الى نتائج إيجابية عندئذ سيتوفر العلاج (TMS) للجميع بدءاً من المرضى في الولايات المتحدة الأميركية، ضمن مدة أقصاها ستة شهور.
وتستند المعالجة التي تقدمها هذه الشركة على نفس المبدأ العلاجّي للصدمة الكهربائية. فيمكن معالجة اضطرابات المزاج عبر تعديل النشاط الكهربائي داخل الدماغ. وبما أن الجمجمة البشرية عازلة من النوعية الممتازة، يستعمل العلاج (TMS) فلطية كهربائية عالية جداً تُطبٌق على فروة الرأس لإحداث التأثيرات المنشودة المضادة للكآبة. جدير بالذكر أن الأقطاب الكهربائية التي يمر من خلالها التيار الكهربائي، في مرحلة المعالجة بالصدمة الكهربائية التقليدية، من المتعذر توجيهها الى أي منطقة معيّنة من الدماغ.
من جهة أخرى، تمر الموجات المغناطيسية، في العلاج (TMS)، تقريباً دون تغيير في قوتها عبر الجمجمة كي تبدأ التركيز على عملية التحفيز. وتُنتج هذه الموجات المغناطيسية بفضل التغير السريع في التيار الكهربائي المُحدث من مكثّف (Capacitor) كبير الحجم. هكذا، تعبر هذه الموجات الدماغ من طريق حلزون معدني يضعه الطبيب على فروة رأس المريض.
هذا وتدخل الموجات المغناطيسية الدماغ لتنتج تياراً كهربائياً صغيراً مما يسبب في إزالة الاستقطاب (Depolarization) عن الخلايا العصبية، وهو ما يؤول بدوره الى إنعاش دوائر "المزاج" لدى المرضى المصابين بكآبة حادة.
ونظراً لتدفق التيّار الكهربائي المستحثّ مغناطيسياً في طرق مُتميّزة، يمكن أن يُدار ويوجه نحو مناطق معيّنة من الدماغ، مثل اللحاء قبل الأمامي وهو منطقة تشرف على تعديل العواطف السلبية. ومن جملة التغيرات الفسلجية الأخرى، ترفع المعالجة مستويات سيروتونين (Serotonin)، وهي أحد الناقلات العصبية وتلعب دوراً مهماً في تنظيم مزاج الإنسان والرغبة الجنسية، ولها دور أيضاً في مرض الصداع النصفي (داء الشقيقة)، كما تُرفع مستويات هذه المادة أيضاً بواسطة تناول أدوية الكآبة مثل بروزاك (Prozac) وسيليكسا (Celexa).
وفي نهاية المطاف، قد يساهم العلاج في تقديم العون الفعّال للغاية الى ما بين 15 و20 في المئة من المرضى المكتئبين الذي لا يتحمّلون العلاج عبر الأدوية أو لا ينعمون بالراحة من تعاطيها. علاوة على ذلك، الإجراء بسيط للمريض الخارجي، الذي يتردد على المستشفى للمعالجة ولكنه لا يقيم فيها، ويدوم 30 دقيقة فقط، ولا يترك آثاراً جانبية إدراكية رئيسية. على أية حال، الإجراء ليس خالٍ من المشاكل. فاحتمال فقدان الذاكرة موجود والبعض يعاني من الصداع أو الدوخة المعتدلة عقب العلاج. وإذا تم حفز بعض مناطق الدماغ أكثر من اللازم حينئذ قد يمر المتعالج بنوبة مرضية عرضية من حينٍ لآخر. والى جانب مساعدة المرضى المكتئبين، يداوي العلاج (TMS) المصابين بداء الفصام والاضطراب الوجداني ثنائي القطب(مرض نفسي يصاب المريض فيه بنوبات من الكآبة مثل الحزن ونقص الوزن والنوم والأفكار السوداوية والرغبة في الموت والإحساس بالدونية ومحاولات الانتحار الجادة وإهمال الأسرة والعمل وتدهور كل العلاقات الاجتماعية). وعندما تُحفز بعض مناطق الدماغ عبر ذلك العلاج يتم تغييرها في شكل دائم. ويبقى مفعول العلاج متعلقاً بمدى تركيزه وكثافته.
ويميل مرضى الكآبة إلى الاستفادة أكثر جراء تحفيز لحاء الدماغ قبل الأمامي (Prefrontal Cortex) كونه مهم جداً في تنظيم العواطف. أما المرضى المصابين بالفصام فيخفف الاضطراب النفسي عنهم عندما تجتاز الموجات المغناطيسية (Magnetic Fields) اللحاء الخلفي الجداري (Temporal Parietal Cortex) وهو جزء من الدماغ قد يسبب الهلوسة إذا ما عمل على نحو شاذ.
منقول