كانت لي مواقف كثيرة مع معالي والدي حفظه الله و شفاه مواقف غرسها و أسال الله أن يكون ثمرة هذا الغرس الفردوس الأعلى من الجنة له و لوالدتي سأكتفي بذكر بعضها حتى لا أطيل بل حتى أرحم قلبي الضعيف أذكر و أنا في الثامنه من عمري كانت الوالدة حفظها الله وشفاها تأمرني بالخروج للمسجد لأداء الصلاة و لكن عقلي الصغير كان ياخذني لغرفة مهجورة مظلمة متهالكه مليأه بالنفايات ظناً مني أني أختبيء عن أعين الناس و لم يفكر عقلي الصغير أن لن أستطيع أن أختبيء عن الله في أرضه و كان الوالد كعادته يوقف سيارته بحيث يغلق الباب حتى لا يجلس المتطفلون بل ( المذنبون ) داخلها و لكن عندما أوقف سيارته أمام الباب تحركت فالباب سبيل خروجي الوحيد و كأنه شعر بحركه فأبعد سيارته و إقترب و مع كل خطوة يخطوها يحدث زلزال مرعب داخلي ففتح الباب و رآني ( لم يضربني- لم يؤذيني بكلمة - لم يرفع صوته - لم يجمع علي الخلق - لم يدعو علي الخالق ) و لكن قال ( شوف ذل المعصيه و ين جابك و عز الطاعة وين يوديك ) و مضى و لم يضف كلمة و غرس في إبنه رجل يبحث عن مواقف العزه و لا يرتضي الذل والهوان و في عمر الثانية عشرة ضربت أختي و علم بهذا الأمر فأدخلني في غرفة وحدي كنت أتوقع أن يُكسر رأسي بعصا و يسمعني أسوء الألفاظ فهو لا يرضى أن تلمس شعره لبناته و لكنه أمسك قطعه صغيره في يده و إقترب مني و كان يضربني و يقول ( ردها لي يا قوي و إلا بس على الضعيفه ) و يكررها ( ردها علي يا قوي و إلا بس على الضعيفه ) يا لله لم يؤلمني الضرب و لم أشعر به بل كلماته مزقت روحي و تعابير وجهه أرتني بشاعة فعلتي كنت أتمنى أن يقطع جسدي بسكين و يتوقف عن ترديد تلك الكلمات و مضى و غرس في إبنه رجل لا يقف موقف فيه ظلم أو تجبر بل موقف نصرة و إحقاق حق حتى عندما أعياه المرض و تمكن من جسده لم يتوقف عن الغرس في داخلي فهو الوحيد في هذه الدنيا الذي جسد لي فضل بر الوالدين فأذكر في عيد الأضحى من العام الماضي دخلت به الحمام و غسلته و ألبسته و طيبته و جلست أحادثه و أمازحه و إستأذنت منه وخرجت من المنزل وعند عودتي إستقبلتني أختي و قالت لي أبي كان يبكي بكاء لم أره في حياتي يبكي كالطفل و يذكر و يترحم على أمه لم أستغرب بكاه بعد خروجي تحديداً فقد كان هناك عهدا بيننا و إن كان عهد قلوب لا مشافهه أن لا يرى دمعتي و لا أرى دمعته و لكن غرابة وصف أختي حيرني فجلست بجواره و سألته ما بك يا أبي فقال و هو يضحك عندما كانت والدتك حامل بك كان هناك خطورة على حياتها ونصحها الأطباء بإسقاطك فرفضت و نصحتها أنا و عمك بإسقاطك فرفضت و أنجبتك و إذا بك تقوم بما قمت به اليوم فتذكرت أمي و قد فعلت معها ما فعلت أنت معي فضحكت و قلت سبحان الله و مضى يكمل حديثه مع بقية إخوتي و يمازحهم فصعدت إلى غرفتي و بكيت بكاء طفل و في قلبي أدعو أن يرزقني الله الذريه الصالحه وما أبكاني أكثر و جعلني أصيح ( يا الله ) أنه دائما كان يمضي و لكنه يعود لي عندما احتاجه لكن ماذا سيحدث و ماذا أفعل عندما يمضي و لا يعود من سيعلمني و يوجهني عندما أخطيء هل عرفت الآن لماذا عجزت في ردي السابق هل عرفت الآن لماذا يكون الرجل شاباً و عندما يفقد و الديه يشيخ فجأة ! لإننا نخشى اللحظة التي نحتاجهما فيها فلا نعرف ماذا نفعل و عندها نتأكد أنهما ماتا و فقدناهما سؤالي أخي حفيد الداخل ماذا ستفعل إذا مضى معاليه و لم يعد ؟ |
مواقع النشر |
![]() |
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
BB code متاحة
الابتسامات متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
|