بالقدرة على الإقناع نبني للإنصياع
بالقدرة على الإقناع نبني للانصياع
رسالة أوجهها لكل زوج ولكل زوجة أراد كل منهما أن يعيش حياته الزوجية بأمن وأمان ، وبهدوء تام ، فلا تنغصه المشاكل الزوجية ، ولا يكدر عيشه طرف آخر اشترك معه في عشه . ويريد مع ذلك كله أن يكون الطرفين كعصفوري الكناري العاشقين ، فالحب متبادل بأصوات هادئة جميلة ، وبحركات ناعمة وعاطفية .
فأقول لهؤلاء : سوف تنعمان بذلك _بإذن الله _ ولسوف تعيشان تلك الحياة الجميلة ، إن أنتما أحسنتما التعامل بينكما بحب ومودة ، وقدرة على إدارة أي حوار يدور بينكما بفن المحبين ، وليس بعنجهية المعاندين .
لكن ذلك الحوار المنشود _حين حدوث أي لبس أو اختلاف أو مطلب_ لن يتم لكما إن لم يتمكن من قصد الحوار وبدأه من القدرة على الإقناع ، فإن هو( أو هي ) استطاع إقناع طرفه الآخر بما يريده منه ليلبيه ، أو ينهاه عنه فلا يرتجيه ؛ فقد أدار حواره بحكمة وتحقق له مايبتغيه.
لكن الناس ينقسمون قسمين عند أي حوار ، فمنهم من يريد أن تتحقق له مطالبه من طرفه الآخر وكفى ، دون أن يكون الطرف الآخر مقتنعا فيه ، وهؤلاء لا يوجد في قاموسهم اللغوي ولا الحياتي معنى لكلمتي ( إقناع أو اقتناع) لكنهم يتقنون كلمة ( الرفع ) ويجيدونها في لغتهم وفي أسلوب حياتهم فمرة يرفعون أصواتهم ، ومرة أخرى يرفعون أيديهم . وهؤلاء قد تتحقق لهم مطالبهم مرة ومرتين وثلاث ، لكنهم بالتأكيد لن يحققوا هذه المطالب على الدوام ، وإن حققوها فلا معنى لكلمة ( الحب ) في حياتهم ، ولا ( الحكمة ) في عقلياتهم ، ولا (النضوج ) في تفكيرهم ، فما قد لا يقال أو يفعل اليوم أمامهم ، فسوف يفعل بالتأكيد غدا من خلفهم بطريقة أو بأخرى لأنهم لم يوصلوا ما يريدونه إلى عقل الطرف الآخر وقلبه لينصاع على الدوام ويتبنى رأي المطالب ويؤمن به ، ويعيش به وله .
أما القسم الثاني فهم من يريدون أن تتحقق لهم مطالبهم ونواهيهم من الطرف الآخر باقتناع تام ، فيعمل به على الدوام ، لكن من هؤلاء من ليست لديه القدرة على الإقناع لعدم وجود مهارات الإقناع لديه ، وقد يكون تربى على عدم وجودها في حياته فلذلك تجده _ في الغالب _ يرغي ويزبد ، ويأمر وينهى ، وفي النهاية لا يجد الطرف الآخر قد انصاع.
إن فن الإقناع علم يدرس في الجامعات ، وألفت حوله الكتب والمجلدات ، واتخذه الباعة وسيلتهم في الإعلان ، والساسة في الدعاية . فهو علم وفن في وقت واحد ، لكن من آمن به ، وجد الجد للعمل به مارسه بمهارة وإتقان.
ولننتقل إلى المثل ليتضح المقصود ، وينجلي المعنى المفقود .
فهذا زوج يريد من زوجته أن لا ترد على أي هاتف أ وطارق هذا اليوم ، لكنه وجدها قد ردت ، وحينما ناقشها أوضحت له بأن ذلك من حقها وليس من حقه منعها ، فاعتلت الأصوات ، وارتفعت الأيدي والحناجر ( الحناجر بالحاء وليست بالخاء) ثم طالت الأيدي لتحمر الوجوه ، فلم يعد يخرج من الفم كلمات وخرج بدلا من ذلك ....... فانهارت الدموع ، وكبرت المسألة من مجرد طلب بسيط إلى مطالبة بالطلاق أو بالطلاق نفسه . ولم تعد القضية عدم رد على الهاتف أو الطارق بل هناك تهم استجدت بأقوال قد قيلت أثناء الحوار بل الشجار ، وأفعال مورست أثناء ممارسة العنف.
لكن ذلك كله لم يكن ليحدث لو أن الزوج ابتسم في وجه زوجته وقال لها بهدوء يا حبيبتي إن ردك على هاتف أو طارق هذا اليوم قد يكون فيه فلان ، وفلان كثير كلام ، ونقال له ، وإن علم أنني بالبيت موجود لسوف يطلب الدخول دون حياء ، وإن دخل سوف يشغلني عنكي وينقل لي وينقل مني كل كلام ، ولذلك فكلي أمل بأن تتجاهلي اليوم أي اتصال سواء عبر الهاتف أو عبر الباب .
وفي الجانب الآخر هذه زوجة تريد من زوجها أن يوصلها إلى السوق لتشتري لها ثوبا ترتديه في مناسبة ، لكن الزوج قال : لا ولا تزعجينني بكثرة المطالب لأنني مشغول ، فما كان من الزوجة إلا أن قالت بصوت عالي : خروجك من البيت لا يتم إلا بمزاجك حينما تريد أن تذهب لتسهر مع أصحابك ، ولو طلبوا منك أن تذهب للمريخ فلن تمانع ، أما طلباتي فأنت مشغول عنها دائما وكأنك وزير أو مسؤول !!! فما كان من الزوج إلا أن قال : أجل تريدين أن أذهب بمزاجكي أنتي ؟!!! ومن أنتي حتى أذهب بمزاجكي ؟! أوتظنين أنني سائق لديكي ؟ ثم تعالت الأصوات كمثالنا السابق وصار ما صار وحدثت التطورات نفسها .
لكن ذلك كله لم يكن ليحدث لو أن الزوجة ابتسمت في وجه زوجها ، وقالت له : يا حبيبي أنت تعلم أنني غدا ذاهبة معك إلى مناسبة في بيت أهلك ، وتفقدت ملابسي الخاصة بالزيارات فلم أجد منها ما يناسب أن أرفع رأسك أمام أهلك ، وأنت تعرف أن أهلك لبسهم كله شياكة وأناقة ، لكن ثيابي غدت بالية ، وقد كنت بالأمس وقبله أريد أن تذهب بي إلى السوق لكنني رايتك متعبا مرة ، وفي الأخرى مشغول ، فآثرت راحتك وعدم إشغالك ، أما اليوم فنشاطك أسعدني وفراغك شجعني لأن أطلب منك أن تذهب بي إلى السوق ولك الخيار الآن وقت العصر أو بعد المغرب أو بعد العشاء .
إن هناك من استطاع أن يقنع بوجهة نظره ، وآراءه ، وهي خاطئة بفضل قدرته على إقناع الطرف الآخر لينصاع لها ويتبناها ،وذلك أنهم تمرسوا أسلوب الإقناع فأتقنوه بمهارة ، ولذلك فعلى كل من أراد أن يتحقق له مطلب أو يترك من أجله أمر من طرفه الآخر أن يمرن نفسه ويدربها على إتقان هذا الأسلوب حتى يكون ماهرا فيه فتسهل عليه بقية الأمور فيما بعد ويصبح الإقناع لديه أمرا في غاية السهولة . لكن شرطي الأول هو أن يتخلى عن أسلوب الرفع سواء بالصوت أو باليد ، وتكون البداية بالكلام الهادئ المرتب والمنمق ، ولا يجاري الطرف الآخر في أسلوبه أيا كان سواء بالرفع أو باللفظ العنيف والبغيض .
ملاحظة :
ليس بالضرورة أن نحصل على الاقتناع والانصياع منذ أول عبارة أو عبارتين فقد نضطر لحوار طويل ينتهي بالانصياع ، والمثالين الذين ذكرتهما كان الحوار فيهما قصير بهدف الاختصار ، وآمل من الأخوة ذكر أمثلة لتضيف إلى الموضوع ويتضح المقصود ، وكل مثال يضاف حتما سوف يجلي صورة من صور الإقناع . كما أن هناك نقاطا مهمة في القدرة على الإقناع وجب أن تؤخذ في الحسبان ؛ منها :
1-عدم الاستسلام عند أول محاولة إقناع أو في بداية الحوار بهدف الإقناع
2-إمكانية التنازل عن بعض الأمور لتحقيق نسبة أعلى من الانصياع
3-إمكانية تأجيل إكمال الحوار لوقت آخر ليتسنى للطرف الآخر التفكير في الحوار لوحده بهدوء
4-يمكن تغيير أسلوب الحوار والحجج في محاولات الإقناع عند عدم اقتناع الطرف الآخر.