خامساً: أن الحج فرصة عظيمة للإقبال على الله بشتى القربات[/COLOR]:
حيث يجتمع في الحج من العبادات ما لا يجتمع في غيره؛ فيشارك الحج غيره من الأوقات بالصلوات وغيرها من العبادات التي تُفعل بالحج وغير الحج، وينفرد بالوقوف بعرفة، والمبيت بالمزدلفة، ورمي الجمار، وإراقة الدماء، وغير ذلك من أعمال الحج.
سادساً: الحج وسيلة عظمى لحط السيئات ورفعة الدرجات:
فالحج يهدم ما كان قبله، قال النبي صلى الله عليه وسلم، لعمرو بن العاص?:«
أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإِسْلاَمَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا؟ وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ » ( )
والحج أفضل الأعمال بعد الإيمان والجهاد؛
فعن أبي هريرة ? قال: سُئِلَ النبي ?: أيُّ الأعمالِ أفضلُ؟ قال:« إيمانٌ باللّهِ ورسولِهِ ». قيل: ثمَّ ماذا؟ قال:« جهادٌ في سبيلِ اللّهِ ». ثم ماذا؟ قال:« حجٌّ مَبْرُورُ ». ( ) والحج أفضل الجهاد؛ فعن عائشة رضيَ اللهُ عنها أنها قالت: يا رسول اللهِ، نرى الجهادَ أفضلَ العملِ، أفلا نُجاهِدُ؟ قال:« لكُنَّ أفضلُ الجهادِ حَجٌّ مَبرور ».( )
والحج المبرور جزاؤه الجنة، عن أبي هريرة ? أن رسول اللّه ? قال:« العمرةُ إلى العمرةِ كَفَّارةٌ لما بينهما، والحجُّ المبرورُ ليس له جَزاءٌ إلاّ الجنةُ ».( )
والحاج يعود من ذنوبه كيوم ولدته أمه إذا كان حجه مبروراً، عن أبي هريرةَ ? قال: قال رسول الله ?:« مَن حَجَّ هذا البيتَ فلم يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ، رجَعَ كما ولَدَتْهُ أمُّه ». ( )
سابعاً: هياج الذكريات الجميلة، ففي الحج تهيج الذكريات الجميلة:
وهذا سر بديع من أسرار الحج العزيزة على كل قلب مسلم، وما أكثر تلك الذكريات، وما أجمل ترددها على الذهن؛ فالحاج على سبيل المثال يتذكر أبانا إبراهيم الخليل ــ عليه السلام ــ فيتذكر توحيده لربه، ومُهاجرَه في سبيله، وكمال عبوديته، وتقديمه محابَّ ربِّه على محابِّ نفسه، ويتذكر ما جرى له من الابتلاءات العظيمة، وما حصل له من الكرامات، والمقامات العالية، ويتذكر أذانه في الحج، ودعاءه لمكة المكرمة، وبركات تلك الدعوات التي ترى آثارها إلى يومنا الحاضر.
ويتذكر الحاج ما كان من أمنا هاجر ــ عليها السلام ــ فيتذكر سعيها بين الصفا والمروة؛ بحثاً عن ماءٍ تشربه؛ لتدر باللبن على وليدها أبينا إسماعيل ذلك السعي الذي أصبح سنة ماضية، وركناً من أركان الحج.
ويتذكر أبانا إسماعيل ــ عليه السلام ــ فيمر بخاطره مشاركة إسماعيل لأبيه إبراهيم في بناء الكعبة، ويتذكر ما كان من بر إسماعيل بأبيه؛ حيث أطاعه لما أخبره بأن الله يأمره بذبحه، فما كان من إسماعيل إلا أن قال

افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ) [ الصافات:102].
ويتذكر الحاج أن مكة هي موطن النبي ? ففيها ولد وشب عن الطوق، وفيها تنزل عليه الوحي، ومنها شعَّ نور الإسلام الذي بدد دياجير الظلمات.
ويتذكر من سار على تلك البطاح المباركة من أنبياء الله ورسله، وعباده الصالحين؛ فيشعر بأنه امتداد لتلك السلسلة المباركة، وذلك الركب الميمون.
ويتذكر الصحابة- رضي الله عنهم - وما لاقوه من البلاء في سبيل نشر هذا الدين.
ويتذكر أن هذا البيت أول بيت وضع للناس وأنه مبارك وهدى للعالمين:
بلدة عظمى وفي آثارها
أنفعُ الذكرى لقوم يعقلونْ
شبَّ في بطحائها خيرُ الورى
وشبا في أُفِقْها أسمحُ دينْ
فهذه الذكريات الجميلة تربط المؤمن بأكرم رباط، وتبعث في نفسه حبَّ أسلافه الكرام، والحرصَ على اتباع آثارهم، والسير على منوالهم.
ثم إن الحاج إذا عاد من رحلة حجه حمل معه أغلى الذكريات، وأعزَّها على نفسه؛ فتظل نفسُه متلهفةً للعودة إلى تلك البقاع المباركة، ورحم الله الإمام الصنعاني إذ يقول في قصيدته الطويلة في ذكرى الحج ومنافعه:أيا عذبات البان من أيمن الحِمَى
رعى اللهُ عيشاً في رباك قطعناهُ
سرقناه من شرخ الشباب وروقه
فلما سرقنا الصَّفْوَ منه سُرِقْنَاهُ
وعادت جيوشُ البين يقدمها القضا
فَبَدَّدَ شملاً في الحجاز نظمناهُ
ونحن لجيران المُحَصَّب جيرةٌ
نُوفِّي لهم عهد الودادِ ونرعاهُ
فهاتيك أيامُ الحياةِ وغيرُها
مماتٌ فيا ليت النوى ما شهدناهُ
فيا ليت عنا أغمض البينُ طَرْفَهُ
ويا ليت وقتاً للفراق فقدناهُ
وترجع أيامُ الُمحَصَّب من منى
ويبدو ثراه للعيون وحصباهُ
وتسرح فيه العِيْسُ بين ثُمامِه
وتستنشق الأرواحُ نَشْرَ خُزاماهُ
نَحِنُّ إلى تلك الربوع تشوُّقاً
ففيها لنا عَهْدٌ وعقدٌ عقدناهُ
وربٍّ برانا ما نسينا عهودَكم
وما كان من ربع سواكم سلوناهُ
ففي ربعهم لله بيتٌ مباركٌ
إليه قُلوبُ الخَلْقِ تَهْوِي وتهواهُ
يطوف به الجاني فيُغْفَرُ ذنْبُه
ويسقط عنه جرمه وخطاياهُ
فكم لذةٍ كم فرحةٍ لطوافه
فللهِ ما أحلى الطوافَ وأهناهُ
نطوف كأنَّا في الجنان نطوفها
ولا همَّ لا غمٌّ فذاك نفيناهُ
فيا شوقنا نحو الطواف وطِيبه
فذلك شوقٌ لا يحاط بمعناهُ
فمن لم يَذُقهُ لم يذقْ قطُّ لذةً
فَذُقْهُ تَذُقْ يا صاحِ ما قد أُذِقْنَاهُ
إلى آخر ما قاله من قصيدته الطويلة الماتعة.
ثامناً: اكتساب الأخلاق الجميلة:
فالحج ميدان فسيح لمن أراد ذلك؛ فالحاج يتدرب عملياً على الحلم، والصبر، والمداراة، وكظم الغيظ من جراء ما يلقى من الزحام، والتعب، والنصب سواء في الطريق إلى الحج، أو في الطواف، أو في السعي، أو في رمي الجمار، أو غيرها من المناسك؛ فيتحمل الحاج ما يلقاه من ذلك؛ لعلمه بأن الحج أيام معدودة، ولخوفه من فساد حجه إذا هو أطلق لنفسه نوازع الشر، ولإدراكه بأن الحجاج ضيوف الرحمن؛ فإكرامهم، والصبر على ما يصدر من بعضهم دليل على إجلال الله عز وجل.
فإذا تحمل الحاج تلك المشاق في أيام الحج صار ذلك دافعاً لأن يتخلق بالأخلاق الجميلة بقية عمره.
ثم إن الحاج يتعلم الكرم، والبذل، والإيثار، والبر، والرحمة، وذلك من خلال ما يراه من المواقف النبيلة الرائعة التي تجسد هذه المعاني؛ فهذا سخي يجود بالإنفاق على المساكين، وذاك كريم بخلقه يعفو عمن أساء إليه، وأخطأ في حقه، وذاك رحيم يعطف على المساكين ويتلطف بهم، وذاك حليم يصبر على ما يلقاه من أذى، وذاك بَرٌّ بوالده يحمله على عاتقه، وذاك يحوط أمه العجوز بلطفه ورعايته.
بل ويكتسب الأخلاق الجميلة إذا رأى من لا يدركون معنى الحج، ممن يغضبون لأدنى سبب، وتطيش أحلامهم عند أتفه الأمور.
فإذا رأى العاقلُ البصيرُ سوء فعال هؤلاء انبعث إلى ترك الغضب، وتجافى عن مرذول الأخلاق.
تاسعاً: تذكر الآخرة:
فلقد رأيت اخي الحاج ازدحام الناس، ورأيت بعضهم يموج في بعض، وهم في صعيد واحد، وبلباس واحد، وقد حسروا عن رؤوسهم، وتجردوا من ثيابهم، ولبسوا الأردية والأزر، وتجردوا من ملذات الدنيا، ومتعها، وتذكرت يوم حشره على ربه؛ فيبعثه ذلك إلى الاستعداد للآخرة، ويقوده إلى استصغار متاع الحياة الدنيا، ويرفعه عن الاستغراق فيها، ويكبر بِهِمَّته عن جعلها قبلة يولي وجهه شطرها حيثما كان.
[COLOR="DarkGreen"]
فالحمدلله على سلامتكم ولايسعنا الإ ان نقول لكم عدتم والعودا احمدا فهنيئا لكم بأن كتب الله لكم حج هذا العام
فهذه ضيافتنا لكم واول من يعود للمنتدى يسجل هنا لنا حضوره .....................[/COLOR