فقال: ابن الدنيا :
أراني في انتقاصٍ كل يوم *** ولا يبقى مع النقصان شيء
طوى العصران ما نشراه مني *** فأخلق جدتي نشرٌ وطي
·وقيل : أنشأ ابن مقلة الوزير داراً عظيمة فقيل :
قل لابن مقلةَ مَهْلاً لا تكن عَجِلا *** واصبرْ فإنك في أضْغاثِ أحلامِ
تبني بأنقاضِ دورِ الناس مُجْتهداً *** داراً شَتُهْدم أيضاً بعد أيامِ
ما زلتْ تختارُ سَعْدَ المشتري لها *** فلم تُقَ به من نَحْسِ بَهْرامِ
إن القرآنَ وبطليموسَ ما اجتمعنا *** في حالِ نقضٍ ولا في حال إبرامِ
أُحرقت بعد ستة أشهر ، وبقيت عبرة .
·قال إبراهيم بن فاتك : سمعت أبا يعقوب ، يقول : الدنيا بحر ، والآخرة ساحل ن والمركب التقوى ، والناس سفر .
·ومن قول ابن علي الثقفي : يا مَنْ باع كل شيء بلا شيء واشترى لا شيء بكل شيء .
·وقال : أف من أشغال الدنيا إذا أقبلت ، وأف من حسراتها إذا أدبرت . العاقل لا يركن إلى شيء إن أقبل كان شغلاً ، وإن أدبر كان حسرةً .
قال الحاكم : سمعت الأصم ، وقد خرج ونحن في مسجده ، وقد امتلأت السكة من الناس في ربيع الأول سنة أربع وأربعين وثلاث مئة . وكان يملي عشية كل يوم اثنين من أصوله . فلما نظر إلى كثرة الناس والغرباء وقد قاموا يطرقون له ، ويحملونه على عواتقهم من باب داره ( إلى مسجده ) ، فجلس على جدار المسجد ، وبكى طويلاً ، ثم نظر إلى المستملي ، فقال : أكتب : سمعت محمد بن إسحاق الصفاني يقول : سمعت الأشج ، سمعت عبد الله بن إدريس يقول : أتيت يوماً باب الأعمش بعد موته فدقت ( الباب ) ، فأجابني جارية عرفتني : هاي هاي ( تبكي ) : يا عبد الله ، ما فعل جماهير العرب التي كانت تأتي هذا الباب ؟ ثم بكى الكثير ، ثم قال : كأني بهذه السكة لا يدخلها أحد منكم ، فإني لا أسمع وقد ضعف البصر ، وحان الرحيل ، وانقضى الأجل ، فما كان إلا بعد شهر أو أقل منه حتى كف بصره وانقطعت الرحلة ، وانصرف الغرباء ، فرجع أمره إلى أنه كان يناول قلماً ، فيعلم أنهم يطلبون الرواية ، فيقول : حدثنا الربيع ، وكان يحفظ أربعة عشر حديثاً ، وسبع حكايات ، فيرويها ، وصار بأسوأ حال حتى توفي .
جاور أبو يزيد المروزي بمكة سبعة أعوام ، وكان فقيراً يقاسي البرد ويتكتم ويقنع باليسير . أقبلت عليه الدنيا في آخر أيامه ، فسقطت أسنانه ، فكان لا يتمكن من المضغ ، فقال : لا بارك الله في نعمة أقبلت حيث لا ناب ولا نصاب ، وعمل في ذلك أبياتاً .
·قال الُسٌلميُ : سمعت أبا عثمان المغربي يقول : ( ليكن ) تدبرك في الخلق تدبر عبرة ، وتدبرك في نفسك تدبر موعظة ، وتدبرك في القرآن تدبر حقيقة . قال الله تعالى : ** أفلا يَتَدَبَرُونَ القُرءانَ } . جرأك به على تلاوته ، ولولا ذلك لكلت الألسن على تلاوته .
·أنشدني الوليد بن بكر النحوي لنفسه :
لأي بلائِك لا تدكرْ *** وماذا يَضُرٌك لو تَعْتبرْ
بكاءٌ هنا وبُرَاحٌ هناك *** ومَيْتٌ يُساق وقبرُ حُفِرْ
وبيانَ الشبابُ وحل المشيبُ *** وحانَ الرحيلُ فما تنتظرْ
كأنك أعمى عُدِمتَ البصرُ *** كأن جَنابكَ جِلْدْ حَجَرْ
وماذا تُعاينُ نم آيةٍ *** لو أن بقلبك صح النظرْ
قال ابن أبي زمنين :
لا تَطْمَئٍن إلى الدنيا وزُخرفِها *** وإنْ تَوَشحْت من أثوابها الحسنا
أين الأحبةٌ والجيرانُ ما فعلوا *** أين الذين هم كانوا لنا سَكَنا
سقاهم الدهرُ كأساً غيرَ صافيةٍ *** فصيرتُهم لأطباقِ الثرى رَهَنا
قال ابن الجوزي :
·عقارب المنايا تلسع ، وجُدران جسم الآمال يمنع ، وماء الحياة في إناء العمر يرشح .
·ومن شعر الإسلام أبي عمر محمد بن أحمد المقدسي :
ألم تَكُ منهاةً عن الزهْوِ أنني *** بدا لي شيبُ الرأسِ والضعفِ والألمُ
ألم بي الخطبُ الذي لو بكيتُه *** حياتي حتى ينفذ الدمعُ لَمْ أُلَمُ
أنشدني ابن الدهان :
أيها المغرورُ بالدنيا انتبه *** إنها حالٌ ستفنى وتحولْ
واجتهدْ في نَيْلِ مُلكٍ دائمٍ *** أيٌ خيرٍ في نعيم سيزولْ
لو عقلنا ما ضحكنا لحظةً *** غيرَ أنا فُقِدَتْ منا العقولُ
قال أسعد بن يحيى السنجاري :
لله أيامي على رامةٍ *** وطيبِ أوقاتي على حاجرِ
تكاد لسرعةِ في مَرها *** أولُها يَعْثَرُ بالآخر
كان قاضي القضاة يوسف بن رافع يَتمثل :
مَنْ يتمن العمر فَلْيدرع *** صبراً على فَقْدِ أحبابِهِ
ومَنْ يُعمرْ يَلْقَ في نفسِه *** ما قد تمناه لأعدائهِ
وفي سنة أربع وخمسين : كان ظهور الآية الكبرى وهي النار بظاهر المدينة النبوية ، ودامت أياماً تأكل الحجارة ، واستغاث أهل المدينة إلى الله وتابوا ، وبكوا ، ورأى أهل مكة ضوءها من مكة ، وأضاءت لها أعناق الإبل ببصرى ، كما وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه . وكسف فيها الشمس والقمر ، وكان فيها الغرق العظيم ببغداد ، وهلك خلق من أهلها ، وتهدمت البيوت ، وطفح الماء على السُور .
إذا تم أمر بدا نقصه *** توقع زوالاً إذا قيل تم
ومن شعر ابن حزم :
هَلِ الدهرُ إلا ما عرفنا وأدركنا *** فَجائِعُه تَبْقى ولذاته تفنى
إذا أمكنتْ فيه مَسَرة ساعة *** تَولت كَمَر الطرْفِ واستهلت حزنا
إلى تبعاتِ في المعادِ وموقفٍ *** نَوَدٌ لديه أننا لم نَكُنْ كنا
حنينٌ لما وَلى وشُغْلٌ بما أتى *** وهم لما نَخْشى فَعَيْشُك لا يَهْنا
حصلنا على هَم وإثْمٍ وحَسْرةٍ *** وفاتَ الذي كنا نَنَلذُ به عنا
كان الذي كنا نُسَرُ بكونه *** إذا حققته النفسُ لفظ بلا معنى
ومن شعر علي بن الحسين الربعي :
إنْ كنتَ نِلْتَ من الحياة وطيبِها *** نم حُسْنِ وجهِك عِفةً وشبابا
فاحذرْ لنفسك أنْ ترى متمنيا *** يوم القيامة أن تكون تُرابا
·ومن شعره أيضاً :
تَنَكَر لي دهري ولم يَدْرِ أنني *** أعز وأحداثُ الزمان تهونُ
فباتَ يثرِيني الخَطْبَ كيف اعتداؤُه *** وبِتُ أُريه الصبرَ كيف يكونُ
وقال الحافظ ابن عساكر في ( تاريخه ) : سمع ابن ابي كدية يوماً قائلاً ينشد قول أبي العلاء المعري :
ضحكنا وكان الضحكُ منا سفاهةً *** وحُق لسكان البسيطة أن يَبْكو
تُحطمُنا الأيامُ حتى كأننا *** زجاجٌ ولكنْ لا يُعادُ لنا سَبْكُ
·فقال ابنُ أبي كُدية يجيبه :
كَذَبتَ وبيتِ الله حِلْفَةُ صادقٍ *** سيَسْكبُها بعد النوى مَنْ له المُلْكُ
وتَرجعُ أجساماً صحاحاً سليمة *** تَعَارَفُ في الفردوسِ ما عندنا شَكٌ
اجتاز أبو بكر الشلبي على بقال ينادي على البقل : يا صائم من كل الألوان . فلم يزل يكررها ويبكي ، ثم أنشأ يقول :
خليلي إنْ دام همُ النفوسِ *** على ما أراه سريعاً قَتَلْ
فيا ساقي القوم لا تَنْسَني *** ويا ربة الخِدرِ غَني رَمَلْ
لقد كان شيءٌ يُسَمى السرورُ *** قديماً سمعنا به ما فعلْ
ومن شعر الميداني قوله :
تَنفَس صُبحُ الشيبِ في لَيْل عارضي *** فَقُلْت عساه يكتفي بعَذاري
فلما فشا عاتبتُه فأجابني *** ألا هل يُرى صبحٌ بغير نهار
ومن شعر الحلواني الشافعي :
حالي مع الدهرِ في تقلٌبهِ *** كطائرٍ ضم رجلَه شَرَكُ
هِمته في فكاك مُهْجَتِه *** يَرُوم تخليصَها فتشتبكُ
من شعر الخليفة الراشد بالله العباسي
زمانٌ قد استتْ فِصالُ صروفِه *** وذلل آسادَ الكرامِ لذي القَرْعى
أكولتُه تَشْكو صروفَ زمانِه *** وليسَ لها مَأوى وليسَ لها مَرْعى
فيا قلبُ لا تَأسَفْ عليه فربما *** تَرى القوم في أكنافِ أفنائه صَرْعى
ومن شعر ابن عساكر :
أيا نفسُ ويْحَك جاءَ المشيبْ *** فماذا التصابي وماذا الغزلْ
تَوَلى شبابي كأنْ لم يكنْ *** وجاء مشيبي كأنْ لم يَزلْ
كأني بنفسي على غُرةٍ *** وخَطْبِ المنون بها قد نزلْ
فيا ليتَ شعري ممنْ أكونَ *** وما قَدَر الله لي في الأزَلْ
قال ابن الجوزي :
وكان الوزير ابن هبيرة مبالغاً في تحثيل التعظيم للدولة ، قامعاً للمخالفين بأنواع الحيل ، حسم أمور السلاطين السلجوقية ، وقد كان آذاه شحنة في صباه ، فلما وزر ، استحضره وأكرمه ، وكان يتحدث بنعم الله ، ويذكر في منصبه شدة فقره القديم ، وقال : نزلت يوماً إلى دجلة وليس معي رغيف أعبر به . وكان يكثر مجالسة العلماء والفقراء ، ويبذل لهم الأموال ، فكانت السنة تدور وعليه ديون ، وقال : ما وجبت على زكاة قط . وان إذا استفاد شيئاً من العلم ، قال : أفادنيه فلان . وقد أفدته معنى حديث ، فكان يقول : أفادنيه ابن الجوزي ، فكنت أستحيي ، وجعل لي مجلساً في داره كل جمعة ، ويأذن للعامة في الحضور ، وكان بعض الفقراء يقرأ عنده كثيراً ، فأعجبه ، وقال لزوجته : أريد أن أزوجه بابنتي ، فغضبت الأم . وكان يقرأ عنده الحديث كل يوم بعد العصر ، فحضر فقيه مالكي ، فذكرت مسألة ، فخالف فيها الجمع ، وأصر ، فقال الوزير : أحمار أنت ! أما ترى الكل يخالفونك ؟! فلما كان الغد ، قال للجماعة : غنه جرى مني بالأمس في حق هذا الرجل ما لا يليق ، فليقل ، لي كما قلت له ، فما أنا إلا كأحدكم ، فضج المجلس بالبكاء ، واعتذر الفقيه ، قال : أنا أولى بالاعتذار ، وجعل يقول : القصاصَ القصاصَ ، فلم يزل حتى قال يوسف الدمشقي : إذ أبى القصاص فالفداء ، فقال الوزير : له حكمه . فقال الفقيه : نعمك علي كثيرة ، فأي حم بقي لي ؟ قال : لا بد . قال : علي دين مئة دينار ، فأعطاه مئتي دينار ، وقال : مائة لإبراء ذمته ، ومائة فبرأ ذمتي .
قال أبو المظفر سبط ابن الجوزي : وقد اضطر ورثة الوزير ابن هبيرة إلى بيع ثيابهم وأثاثهم ، وبيعت كتب الوزير الموقوفة على مدرسته ، حتى لقد بيع ( البستان ) لأبي الليث السمرقندي في الرقاق ( بخط منسوب وكان مذهباً ) بدانقين وحبة ، وقيمته عشر دنانير ، فقال واحد : ما أرخص هذا البستان ! فقال جمال الدين بن الحسين : لثقل ما عليه من الخراج – يشير إلى الوقفية – فأُخذ وضُرب وحُبس .
هذة أقوالـــهم وأفعالهم فماهي أقوالنا وأفعالنا؟؟؟T
التعديل الأخير تم بواسطة موني الغلا ; 25-04-2010 الساعة 05:02 AM