" لوكان للأدب العالمي ديوان في جزء واحد ، لكانت هذه القصيدة في مقدمته "
قصيدة للشاعر عمر بهاء الدين الأميري –رحمه الله -عندما سافر أبنائه إلى حلب ، وبقي في داره وحيدا ، فهي قصيدة رائعة بحق ، ومحزنة بصدق ، حتى قال العقاد عنها : " لوكان للأدب العالمي ديوان في جزء واحد ، لكانت هذه القصيدة في مقدمته "، وهي وإن كانت مبالغة منه ، إلا أن العاطفة فيها تأخذك كل مأخذ :
أين الضجيجُ العذبُ والشَّغَبُ؟*** أين التَّدارسُ شابَهُ اللعبُ؟
أين الطفولة في توقُّدها؟*** أين الدُّمى، في الأرض، والكتب؟
أين التَّشَاكسُ دونما غَرَضٍ؟ *** أين التشاكي ما له ســبب؟
أين التَّباكي والتَّضاحُكُ، في *** وقتٍ معًا، والحُزْنُ والطَّربُ؟
أين التسابق في مجاورتي *** شغفًا، إذا أكلوا وإن شربوا؟
يتزاحمون على مُجالَستي *** والقرب منِّي حيثما انقلبوا
فنشيدهـــم بابا إذا فرحوا *** ووعيدهم بابــــا إذا غضبوا
وهتافهمْ بابا إذا ابتعدوا *** ونجيُّهمْ بابا إذا اقتــــربوا
بالأمس كانوا ملءَ منزلنا *** واليومَ -ويح اليومِ- قد ذهبوا
ذهبوا، أجل ذهبوا، ومسكنهمْ *** في القلب، ما شطّوا وما قَرُبوا
إني أراهم أينما التفتت *** نفسي، وقد سكنوا، وقد وثبوا
وأُحِسُّ في خَلَدي تلاعُبَهُمْ *** في الدار، ليس ينالهم نصب
وبريق أعينهمْ إذا ظفروا*** ودموع حرقتهمْ إذا غُلبوا
في كــلِّ ركــنٍ منهمُ أثرٌ *** وبكل زاويــةٍ لهم صَخَـــبُ
في النَّافذاتِ، زُجاجها حَطَموا *** في الحائطِ المدهونِ، قد ثقبوا
في الباب، قد كسروا مزالجه *** وعليه قد رسموا وقد كتبوا
في الصَّحن، فيه بعض ما أكلوا *** في علبة الحلوى التي نهبوا
في الشَّطر من تفّاحةٍ قضموا *** في فضلة الماء التي سكبوا
إنِّي أراهم حيثما اتَّجهتْ *** عيني، كأسرابِ القَطا، سربوا
بالأمس في قرنابلٍ* نزلوا *** واليومَ قدْ ضمتهمُ حلبُ
دمعي الذي كتَّمتُهُ جَلَدًا *** لمَّا تباكَوْا عندما ركبــــوا
حتى إذا ساروا وقد نزعوا *** منْ أضلعي قلبًا بهمْ يَجِبُ
ألفيتُنــي كالطفـــــل عاطفةً *** فإذا به كالغيث ينسكــــبُ
قد يَعجبُ العُذَّال من رَجُلٍ *** يبكي، ولو لم أبكِ فالعَجَبُ
هيهات ما كلُّ البُكا خَوَرٌ *** إنّي -وبي عزم الرِّجال- أبُ